إن موسم الحج الذي طالبت به كل الأديان علي اختلافها وأزمانها فكل الناس في كل عصر كانوا يحجون( المصريون القدماء اليونان الصينيون الهنود اليهود- النصاري) يحجون لما في الحج من مزايا روحية لا تنال بغير الحج فهو رياضة الروح و الرحلة الدينية التي عدها الإسلام من الأركان الخمسة وذكر الحج في المقام الخامس من الأركان( الأخير) لأنه ختام الأمر وعبادة العمر وتمام العبودية لله تعالي وكمال الدين حيث نري جمعا يفوق كل جمع من بني البشر مختلفي اللون واللسان والعادات وحدتهم غاية دينية ودفعتهم رغبة إيمانية تذكر الله وتلجأ إليه حيث تتساوي الناس لا تشتتهم أغراض الدنيا بل يرجون التحلل منها ويحتقرون مفاتنها وقد ارتدوا جميعهم ثيابا بسيطة يرمز بياضها إلي الطهارة و النقاء والتجرد من زخارف الحضارة وتعقيداتها فالحجيج هنا زاهدون في زخرف الحياة لاتعرف غنيهم من فقيرهم ولا شريفهم من وضيعهم وهي التصنيفات التي اصطنعها الناس في حياتهم وزيفوا واقعهم..!! في البقاع المقدسة الأرواح كلها متعلقة برب الأرواح تتجلي علي وجوههم الروحانيات وقد أضحوا للناظرين ملائكة أطهارا هذا يستغفر مما فعل وهذا يبكي ندما علي فائت وهذا يشهد الله تعالي علي عهده بالنقاء والطاعة والطهر السرمدي وهذا مستبشرا بما سوف يأتيه الله سبحانه في القادم من أيام الله..! الجميع هنا في معية الله تعالي يرجون حياة طيبة عمادها الصلاح والايمان إنه موسم الحجيج الذي يتجدد مع دورة الفلك في كل عام يوثق الروابط بين المسلمين ويجدد العهد بينهم ويعظم شعائر الدين التي ورثناها جيلا عن جيل وصولا إلي أبي الأنبياء(إبراهيم وإسماعيل) عليهما السلام. إنها رحلة الذكريات الروحانية فهذه أحب البلاد إلي رسولنا العظيم( ابن عبد الله) صلي الله عليه وسلم مكة أو أم القري التي كانت واديا غير ذي زرع إلي أن وصلها الخليل( ابراهيم) و ابنه( إسماعيل) عليهما السلام حوالي عام1892 قبل الميلاد وأخذا يرفعان قواعد البيت العتيق} وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل{ ثم اكتسبت مكة ما اكتسبته من الشهرة والصيت قوافل الحجيج وأفئدة المسلمين في كل بقاع الدنيا تهوي إليها منذ عهد( إبراهيم) عليه السلام إلي يومنا هذا أي ما يقرب من أربعة آلاف عام وهي مقصد الناس قبل أن تصبح قبلة المسلمين وركنا من أركان دينهم يقصدونها طوعا لأوامر الله تعالي وتطهيرا لأنفسهم وقلوبهم إنه البيت العتيق أو الكعبة المشرفة ذات البناء المربع الذي يبلغ طول كل ضلع حوالي عشرة أمتار و ارتفاعها حوالي خمسة عشر مترا وفي زاوية من زوايا الحجر الأسعد أو الحجر الأسود. كان أبو الأنبياء( إبراهيم) عليه السلام وقومه يعبدون الله عند الكعبة ثم خلفهم قوم تقاذفتهم الشياطين فتحولوا من عبادة الله سبحانه إلي عبادة أصنام لهم وتماثيل عظموها( اللات و العزي و مناة الثالثة الأخري) أقاموها حول الكعبة إلي أن جاء الإسلام فعادت الكعبة إلي سالف عهدها الأصل فأحيا سنة( إبراهيم) عليه السلام وفي السنة الثامنه من هجرة( المصطفي) صلي الله عليه وسلم فتح النبي مكة و أزال ما حولها من أصنام وتماثيل وجعلها قبلة المسلمين في كل بقاع المعمورة.. إنه البيت العتيق الذي تهفو إليه النفوس والأرواح وإذا كنا نعظمه ونعظم الحجر الأسود فإن تعظيمنا للحجر لا لذاته ولكن لأنه أثر من آثار أبينا( إبراهيم) عليه السلام فنحبه حبا يماثل ما كان عليه أبو الأنبياء إحياء لذكري هذا الأثر الخالد.. إن الحج رحلة النفس إلي خالق النفس ينسي الإنسان فيها نفسه ولا يتذكر إلا هذه الرحاب الرحمانية ويذكر أبا الأنبياء( إبراهيم) عليه السلام وما صنع فما صنع وتوارثته الأجيال أن المروة هي المكان الذي أمر( إبراهيم) بتضحية ابنه فيه والصفا هو المكان الذي بحثت فيه السيدة هاجر( أم إسماعيل) عن الماء أيام كان الوادي قفرا.. إنها جغرافية الذكريات حيث التضحية والطاعة لله تعالي وشفقة الآباء وحنان الأمهات ورحمة الله بعباده تعالي..! إن الحج هيئة عالمية للشعوب لا للحكومات وحدتهم غاية واحدة وجمعتهم شعيرة واحدة ودفعتهم صيحة موحدة( لبيك اللهم لبيك).. إنه المؤتمر السنوي الذي يمكن للمسلمين استثماره لإعادة حضارة المسلمين الأوائل..! إن قوافل الحجيج تمثل ناديا عالميا ومؤتمرا تعجز عن إقامته السياسات والعلاقات الدولية إنه الصورة المثلي بعيدا عن الواقع البئيس لنا نحن المسلمين فماذا لو حولنا هذا الحشد العالمي إلي استراتيجيات إصلاحيه نراجع ماتم منها في كل عام لماذا لانحفل بهذه المناسبة لنزيل المشاحنات والبغضاء من واقع بات ميئوسا منه أو كاد.. إننا إن لم نستثمر مثل هذه المناسبات التي حبانا بها الله لتغيير أحوالنا إلي الأفضل فمتي تتحسن أحوالنا ؟! إلي متي ونحن في قطعية مع المنح الإلهية التي امتنحنا الله بها ؟! إن الحج كتاب سرمدي من كتاب الإصلاح الدنيوي والديني معا إنه يدعونا إلي كلمة سواء فلماذا لا نتحد ؟ يدعونا إلي لين الحديث والتسامح في الحوار فلماذا نتشاحن؟ يدعونا للمودة والمحبة والأمن فلماذا نتقاتل ونروع بعضنا؟ يدعونا لصيانة الدماء فلماذا نريقها؟.. إننا بحاجة إلي إعادة فهم( الكتالوج) الإلهي الذي أنزله الله تعالي لصيانة البشر والحجر فمتي يفيق المسئول عن التعليم والإعلام ليعاد صياغة تربية الوجدان تربية تتناغم مع العبادات ولا تتنافر من أجل اجتهادات وآراء جنحت بنا نحو الهاوية فسادت الفوضي وعز الأمان فما أشبه حالنا بمن يتسول وهو من يملك من الكنوز ما يحفظ له ماء الوجه..!! إن الحجيج يجتمعون طوعا لا اختلاف بينهم ولا أهواء فهل يعقل أن حكام المسلمين يستبدلون الأعلي بالأدني.. فيشوهون صورة الكلمة السواء التي أهداها الله تعالي إلي عباده فيتفرقون ويختلفون ثم تتضاءل مكانتهم حتي يصيروا ألعوبة في أيدي الكبار.. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا.. ورحم الله بديع الزمان:( والله ما فسد الناس ولكن اطرد القياس) رابط دائم :