علي مسرح السياسة العالمية, تبرز الخلافات التركية الأمريكية بشكل لافت للانتباه, يكاد يفوق ماتئن به الساحة العالمية من احداث وتداعيات, وغالبا مايطرح سؤال لم تظهر له إجابة شافية حتي الآن: ما الذي حدث بين الصديقين التركي والإسرائيلي ؟ ولماذا تحولت العلاقات بينهما إلي مايشبه الحرب الباردة؟ قد لاتبدو هناك إجابات فورية جاهزة لهذا السؤال الصعب, لكن تداعيات الأحداث التي تلاحقت عقب العدوان الإسرائيلي علي قافلة الحرية ذات السيطرة التركية ربما تقودنا إلي ان ثمة جديدا طرأ علي العلاقات المستقرة والوثيقة بين انقرة وتل أبيب.. باعتقادي هو المنافسة علي دور الوكيل الحصري للغرب في الشرق الأوسط. ومعروف أن إسرائيل لعبت هذا الدور تاريخيا, مما جعلها رأس الحربة الغربية في المنطقة العربية, حتي بدأت الممارسات العدوانية الإسرائيلية تضغط علي الضمير العالمي, مما شكل ضغوطا علي الحكومات الغربية التي بدأت في السعي خلال السنوات القليلة الماضية, للتوصل إلي دولة فلسطينية تعيش جنبا إلي جنب مع إسرائيل, وتصادف ان هذا التوجه الغربي يأتي مع تحولات استراتيحية مهمة في السياسة الخارجية التركية وضعها وزير خارجيتها أحمد داود اوغلو خلال عمله كمستشار لرئيس الوزراء رجب أردوغان, لكن ذلك لم يعد كافيا فطلب تعديلا تشريعيا في البرلمان سمح بمقتضاه لأوغلو بتولي وزارة الخارجية للاشراف بنفسه علي تنفيذ السياسة الخارجية, رغم انه ليس نائبا في البرلمان ولم يكن يحق له تولي أي مناصب وزارية في الحكومة. ومن خلال سياسات اوغلو عادت انقرة إلي ملفات الشرق الأوسط جميعا, لكن الاهم انها طرحت نفسها باعتبارها وكيلا شرعيا للغرب في المنطقة, يحتفظ بعلاقات عسكرية واقتصادية وسياسية أكثر من مميزة مع إسرائيل, في ذات الوقت الذي بدأ فيه انتزاع مساحات في العالم العربي, ومساحات أكبر من الدور الذي كانت تلعبه إسرائيل في المنطقة كوكيل حصري للغرب. في حين بدت إسرائيل مرحبة في بداية الأمر بالدور التركي, ورعاية مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل, أو حتي التدخل علي هامش المبادرة المصرية المدعومة فرنسيا وأوروبيا في الحرب علي غزة, بدا ان مساحات الفعل التركي في المنطقة مقلقة لإسرائيل أكثر من ذي قبل. ومن يراجع ماجري في مؤتمر هرتزليا في دورته الأخيرة, تحت شعار ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي, وهو من اهم المؤتمرات السنوية في إسرائيل ويعتبر مايخرج عنه أهم التوصيات المستقبلية لصانع القرار الإسرائيلي, سيجد ان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود بارك نبه إلي وجوب الحسم مع سوريا حربا او سلما, ورأي انه لامناص امام إسرائيل من ان تستأنف المفاوضات مع سوريا بعد الحرب, مما يعني ان إسرائيل تريد حسم الوضع الحالي مع سوريا ان سلما أو حربا أو حتي بالمفاوضات بعد الحرب, لكنها لاتحتاج وسيطا تركيا في هذه الحالة لجني ثمار هذه الخطوة إذا ما اقدمت عليها. ومن يراجع سيناريو قافلة الحرية جيدا سيجد اصرارا إسرائيليا علي التعامل معها بحسم, بما يحط من كرامة تركيا, ويؤثر علي الدور الذي تلعبه علي حساب الدور الإسرائيلي, كما انها رفضت وبإصرار مبدأ الاعتذار, رغم انها وفي واقعة استشهاد جنديين مصريين بالخطأ علي الحدود سارعت بتقديم اعتذار رسمي لمصر. وهذا يعني إدراك إسرائيل انه لامصلحة لها في عداء مصر, وانها قد لاتستطيع تحمل ردود افعالها, خاصة ان العلاقات الرسمية بين البلدين لاتفيد مصر كثيرا وتمثل عنصرا شعبيا ضاغطا علي القيادة السياسية التي تحافظ علي هذه العلاقة لاستغلالها في تيسير الحياة علي الفلسطينيين, وفي منع إسرائيل من الانفراد بهم. لكن في الحالة التركية, ربما ادركت إسرائيل منذ البداية عدم قدرة انقرة علي التصعيد, خاصة ان خسائر تركيا من تجميد المناورات العسكرية مع إسرائيل أكبر من مكاسبها, كما ان انقرة لاتستطيع علي المدي الطويل التنازل عن السلاح الإسرائيلي, ولاتستطع في الوقت نفسه الدخول في حالة حرب مع تل أبيب حتي لاتبتعد كثيرا عن التوكيل الغربي الذي يثير شهية الدولتين.