تزداد التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري يوما بعد يوم حيث تحاصرنا المخاطر من كل صوب وحدب فيما تملك مصر جميع الإمكانيات السياسية والدبلوماسية للتعامل مع هذه التحديات ومواجهتها. ولبيان أهم هذه التحديات وكيفية التعامل معها, يوضح د. مصطفي علوي أستاذ العلوم السياسية في دراسته الصادرة عن مركز الدراسات المستقبلية قائلا: إن مشكلات عملية الانتقال الديمقراطي في تونس وليبيا تمثل مصادر جديدة لتحديات إقليمية عربية تواجه أمن مصر القومي كما أن الوضع الفلسطيني والخلاف المستمر بين حماس وفتح من أبرز هذه التحديات. وأضاف علوي أن أخطر التحديات التي تواجه الدولة المصرية هي تلك الواردة من ليبيا وتتمثل في كون هذا البلد يعيش الآن بلا دولة, ليس معني ذلك أن ليبيا كانت دولة ذات مؤسسات أيام أو سنوات القذافي الطويلة, ومع ذلك ثمة فرق يجب رصده, وهو أن سنوات القذافي غاب عنها دولة المؤسسات, أما الآن فإن ليبيا لم تتمكن بعد من بناء أركان دولة بما في ذلك القوات المسلحة ومؤسسة الأمن, ومن الخطر, طبعا, أن يوجد إلي جوار مصر المباشر مجتمع بلا دولة, ولعل أخطر آثار هذا الوضع, داخليا وخارجيا, بما في ذلك أثره علي مصر, كان قد تمثل في تفكيك منظومات التسلح الخاصة بالجيش وقوات الأمن, ومن ثم انتشار تلك الأسلحة في أرجاء المجتمع المختلفة. وأشار إلي تصريحات لقيادات أمنية مصرية إلي وصول نحو12 مليون قطعة سلاح ثقيل إلي مصر, معظمها من ليبيا, خلال العامين الأخيرين, وبطبيعة الحال فإن وجود تلك الأسلحة( المضادة للطائرات والدبابات مثلا) مع أفراد أو تنظيمات في مصر, سرية أو غير مسجلة, أو غير معروفة لدي الدولة, يمثل تحديا خطيرا للأمن القومي المصري, وذلك لأنه ليس من السهل مطلقا أن تتعامل أجهزة الدولة المصرية المعنية مع العناصر أو التنظيمات الحائزة لتلك المنظومات من الأسلحة الثقيلة, والتي تمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر القومي ولعل مصدرا آخر لتحدي أمن مصر القومي من ليبيا يتمثل في حقيقة أن الثورة الليبية التي أزاحت القذافي ونظامه عرفت تدخلا دوليا عسكريا مباشر كان له الأثر الأكبر في تحقيق ذلك الهدف, وهو تدخل حلف الأطلسي( الناتو) استنادا إلي قرار لمجلس الأمن الدولي وقرار لجامعة الدول العربية, والخطورة هنا تتمثل في أن مستقبل الوضع في ليبيا سيظل مرتبطا بتحقيق تدخل الناتو. ومعني ذلك أن دولة الجوار المباشر العربي لمصر سوف تظل متأثرة في مرحلة الانتقال السياسي( ما بعد الثورة) بالقوي والأطراف الدولية التي أنجزت لها المرحلة الأولي السابقة علي ذلك الانتقال, أي مرحلة الثورة. وحول تأثير الحرب الأهلية في سوريا علي مصر قال د. علوي: إن أمامنا في سوريا احتمالان, إما انتصار نظام الأسد أو انتصار قوي الثورة هناك. والاحتمال الأول يؤدي, حال حدوثه إلي تقوية احتمالات ظهور الهلال الشيعي( إيران العراق سوريا حزب الله) والاحتمال الثاني قد ينتهي بأمرين كلاهما خطير إما دولة سنية يسيطر عليها جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الجهادية والتكفيرية, أو انقسام سوريا إلي عدة دويلات معظمها صغير بما في ذلك دولة علوية علي البحر المتوسط وعلي الحدود مع لبنان. ولا شك أن أيا من هذين الاحتمالين يمثل مصدرا لتحديات جوهرية وخطيرة يمكن أن تضر أو تؤثر بشدة علي مستقبل المنطقة, ولا يمكن استبعاد مصر من أي من هاتين الحالتين, من التأثيرات والتداعيات والتحديات الخطيرة التي ستواجه الأمن القومي لكل دول الإقليم. وقال د. علوي أنه رغم أن مصر كانت طرفا في برنامج الناتو المعروف بحوار المتوسط وأن ليبيا لم تكن عضوا في ذلك البرنامج, فإن الأمر الآن يختلف ولم يعد مجرد علاقة حوار, وإنما أصبح حالة ليبيا وعلاقتها بالناتو والغرب, علاقة تعاون قد تمتد لتطال أصول وجود الدولة الليبية تحت الإنشاء. أما في السودان, فالتحديات التي تواجه الأمن القومي المصري قديما وأهم هذه التحديات تتمثل في عملية انقسام السودان إلي دولتين وانفصال جنوب السودان كدولة مستقلة والخطير أن نموذج الانقسام قد لا يتوقف عند حالة السودان, فهناك صراع حالي في دارفور وهناك حركة سياسية تسعي للانفصال. وإذا حدث ذلك الانفصال لدارفور فسيكون أثره المباشر علي أمن مصر القومي أخطر, إذ تقع دارفور شمال غرب السودان ولها حدود مباشرة مع كل من مصر وليبيا. أما الاحتمال الأخطر بالنسبة لأمن مصر القومي فيتمثل في إمكانية انفصال شرق السودان أو كسلا عن دولة السودان والأهمية الأكبر لشرق السودان بالنسبة لأمن مصر القومي تتمثل في أن مياه النيل الأزرق القادمة إلي مصر من إثيوبيا والتي تمثل85% من مياه النيل القادمة إلي مصر تأتي عبر شرق السودان أو كسلا وهي منطقة وادي تلي هضبة الحبشة. ومعني ذلك أن استقلال شرق السودان, أو كسلا, إن حدث, يمكن أن يمثل الخطورة الأكبر علي أمن مصر المائي, ونجاحه إذا ما قامت علاقات جيدة بين ذلك الكيان الجديد وبين إثيوبيا. وقال د. علوي إن ثمة أخبار غير مؤكدة, ولكن لا يجب إهمالها عن توجه إثيوبيا إلي بناء سدود علي النيل الأزرق في إقليم كسلا شرق السودان, وبطبيعة الحال فإن تكلفة مثل هذا المشروع سيكون بحكم جغرافيا المكان, أقل من تكلفة سد النهضة, وأخطر أثرا علي مصر بطبيعة الحال إن حدث, والخطر الذي لا يجب إهمال البحث فيه هو احتمال التنسيق والتعاون فيما بين إثيوبيا وجنوب السودان ودولة جديدة محتملة في شرق السودان, وهو ما يجب أخذه في الاعتبار منذ الآن في مراجعة سياسة مصر وأمنها القومي عند التعامل مع هذه الاحتمالات, ويجب دائما ألا نستبعد السيناريو الأسوأ, أي ألا نكون حالمين ولا مثاليين عند صنع سياسات الأمن القومي المصري. ولقد كانت, وستظل فلسطين, دائما أقرب وأهم دول الجوار المباشر في سياسات أمن مصر القومي.. ولعل أخطر التحديات المباشرة الجديدة تلك المتمثلة في1200 معبر سري غير مشروع فيما بين مصر وقطاع غزة, وهو ما عرض أمن مصر القومي لتحديات عظيمة سواء في أبعاده الاقتصادية أو السياسية. ولذلك لابد من استكمال جهود القوات المسلحة المصرية الرامية إلي هدم كامل لكل تلك المعابر التي تحولت إلي دولة سرية, ومنفذا لقدوم كثير من العناصر الارهابية إلي داخل سيناء ومن ثم مصر. وقال د. علوي وتزداد تلك التحديات في ضوء التطور السياسي الراهن في مصر في مرحلة ما بعد30 يونيو وإزاحة حلفاء حماس من الحكم بعد ثورة شعبية مصرية غير مسبوقة علي مستوي العالم, وهو ما قد يزيد من تعقيد طبيعة العلاقة الصراعية ليس فقط بين حماس ومصر, وإنما أيضا بين حماس وفتح وعلي غير ما قد يتصوره البعض, فإن استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية الرامية إلي الوصول إلي اتفاق سلام مع اسرائيل قد يؤدي إلي نتائج تمثل تحديات مهمة أيضا للجانب المصري.