الاشياء والاماكن تشحن بالرموز. بمجرد ان تغوص في حياة الناس, فاعلية حياة البشر مثل عوامل المناخ, تهب الاماكن فضاءها وطبيعتها يتبقي شيء من الناس عالقا بالمكان. لكنه لم يعد يخص البشر, تحول عبر عمليات الذاكرة والتصق بالمكان. اصبح مناخه وطقسه. وسمته التي يفرضها علي من حولوه الي رمز. لا تفتتح هذه الكلمات كتاب عادل عصمت ناس واماكن الصادر مؤخرا عن سلسلة هوية المكان بالهيئة العامة لقصور الثقافة بل كعادته علي طول الكتاب تأتي الفقرات المحورية والكاشفة لما يحرك الكاتب متناثرة بين ثنايا الفصول متفاوتة الطول في هذا الكتاب. بداية من الفصل الاول يختلط المكان بالزمن بالبشر لينتج ما يشبه وحدة الرواية او القصة تتبادل العناصر الثلاث السيطرة علي الحكي. دون ان تتجاوز تلك السيطرة بضعة اسطر يسلم فيها المكان اوالزمن او البشر الصدارة لعنصر اخر الا ان الزمن يمضي بين فصول الكتاب في تراتب منطقي سواء داخل كل فصل او في النقلات بين الفصول التي صورت علي التوالي اماكن طفولة فمراهقة ثم شباب ونضج الكاتب. المكان في الفصل الاول هو القرية ابشواي الملق الواقعة علي بعد كيلو مترات من طنطا عاصمة محافظة الغربية لا يظهر عادل عصمت علي الاطلاق في هذا الفصل.تلك الحياة الجماعية التي تكاد تتلاشي فيها الفردية تماما في قريته الصغيرة انعكست علي كيفية سرده لما مرت به القرية لينتقل من الحديث عن معمارها وبنيانها وتغيرات العلاقات بين سكانها قبل وبعد قيام الثورة وانتشار التعليم الي الحديث عن اسرته وينتهي الفصل دون أن تلمح ذات السارد الا في لمحات قليلة متناثرة كفرد من افراد هذه الاسرة. الا ان هذا يتغير الي حد ما مع الفصول التالية التي يحكي فيها مشاهداته في المدينةطنطا ومقاهيها وحديثه عن رؤيته الشخصية للناس فيها. يحتل الفصل الاول وحده ما يقرب من ثلث الكتاب يبدو فيه الزمن هو المحرك ففيه عادل عصمت الماضي طبقات فوق بعضها, موغلة في البعد لا تبلغ اعماقها عيون الذاكرة فعجائزنا لا يتذكرون الا اطيافا من احداث تصل بالكاد الي مئات السنين ضياع ذاكرة المكان تبدو وكأنها المحرك الاول لكتابة العمل, ففي اغلب الفصول تشير التداعيات ذات الصبغة التأملية التي تظهر في متن الفصول الي سعي الكاتب لمطاردة الذاكرة وتسجيلها في الان نفسه الذي يشكك فيه في جدوي هذه الذاكرة المطروحة في عملية السرد فيقول في نهاية الفصل الاول من القسم الثاني: عندما ينصت المرء الي الحكايات التي يرويها ابطال الحركة الطلابية اثناء فترة اعتقالهم, او يسمع المشاهد التي يجسدها اشقياء الشوارع عن بطولاتهم في مقاومة ضباط البوليس, يري الرغبة في تجسيد صورة خاصة عن البطولة تكمن في جوف الحكي.. في كثير من المواقف خيل الي ان السارد يستخدم مادة مما يحدث له ويصوغها بطريقته, مما دفعني في بعض الاحيان الي الظن ان حكاياتهم استقرت في شكلها النهائي خلال سردها. لا اثناء حدوثها.