منذ أن وقعت الهزيمة المدوية في عام1967, وأصيبت معها الناصرية المجتمع في مقتل, بدا هناك فضاء وواقع جديدان بيد أن العباد والبلاد اللذين فاقا علي الكارثة الاليمة راحا يتجهان إلي تغيير مثير وملفت في آن, ولم يكن الفن عموما والسينما خاصة بعيدا عن هذا التحول الذي سيحمل في احشائه كما سنري أشياء مثيرة وأعمال متناقضة تدعو إلي التغييب كل بطريقته, وطالما أن الفن السابع هو مبتغانا ومقصدنا في تلك السطور نقول أن بعض ما انتجته أستديوهات السينما المتهالكة في سنوات ما بعد الخامس من يونيه قبل ثلاثة واربعان عاما, اتسم بسمتين أساسيتين فإما الاغراق في تجريدية مفرطة جانحة نحو الغموض والتشكيل البصري غير المألوف والمعتاد لدي المتلقي, أو السقوط في عالم الكباريهات والحانات والمليودراما الزاعقة المنقلولة حرفيا من نصوص غربية دون بذل جهد حقيقي في تمصيرها بحيث تكون منسجمة مع قيم مغايرة عن تلك الاصلية, الطريف أن رواد هذا الأخير كانوا يعتقدون أنهم يقدمون لجمهورهم درر ما بعدها دررا, وفي أحاديثهم الصحفية وجدناهم يصولون ويجولون ترويجا لأعمالهم غير المسبوقة يشرحون للرأي العام كم بذلوا من الجهد التفيس كي تخرج شرائطهم السينمائية الفذة إلي النور, لكن وتلك هي السخرية, أن ما يقدمونه لم يعد كونه سوي ابتزار لعواطف البسطاء ومثلما بدأنا بشجيع السينما في الحلقة الاولي نعود وننطلق منه وفي هذا الجزء سنري فريد شوقي(19 19) بجانب التمثيل والانفراد علي العمل الذي سيقدمه قصاصا وكاتبا للسيناريو والحوار وفوق كل ذلك منتجا وكأنه أنور وجدي الفارق أن شجيع السينما لم يتصد للاخراج. يالها من كلمة شرف وكما انتهي فيلم جعلوني مجرما وهو تنويعة ميلودرامية في ليمان طرة ها هو كلمة شرف أيضا ينتهي بين جدارنه ويالها من جدران وأجواء ومفارقات, فالسجن هو نفسه في ليل وقضبان, موحش وقاس, يجسد القهر والظلم, أما في كلمة شرف الذي صاغه سينمائيا حسام الدين مصطفي(19 19) بالابيض والاسود وعرض اعتبارا من مارس عام1973 عن قصة لفاروق صبري والسيناريو والحوار لفريد شوقي, لكن في كلمة شرف فهو لا تمتلك حياله أي مشاعر سواء بالضد كونه في النهاية قيدا أو تعاطفا مع المكبلين وراء قضبانه وهذا يعود ببساطة إلي سذاجة الموضوع وسطحية معالجته علي الشاشة فقد كان الأمر يمكن ان يحل بعيدا عن تلك التعقيدات والمصادفات الفجة وقد حاول القائمون عليه دفع الجمهور دفعا كي يذرف الدمع أو يشهق حسرة علي مصير الشخوص الذين انقلب بهم الحال إلي النقيض من حياة رحبة سعيدة إلي العكس تماما دون سبب ومبرر واضح يستسيغه العقل فالشريط يحدثنا عن سالم الشخصية المرموقة في المجتمع, والمتزوج من سيدة عطوف( هند رستم) ولكن لم ينجبا اولادا, ولأنه يحبها فالرجل راض بنصيبه في الدنيا معتبرا كامل شقيقها الصغير بمثابة أبن له, غير أن الاخير( نور الشريف), كان شابا مستهترا رفض أن يعترف بخطيئته مع فتاته وهي في نفس الوقت خطيبته انطلاقا من مقولة' اللي تفرط في نفسها قبل الزواج من السهل أن تفعل الشيء نفسه بعده' ويفاجأ سالم بعقوق الشاب غير عابئ بمصير الفتاة وهي هنا( نيللي), وبالطبع يقوم هو بدور الشهم محاولا إنقاذ ما يمكن إنقاذه, فيتورط في عملية إجهاض تفضي إلي وفاة الفتاة, ومن هنا تنقلب حياة الاسرة الصغيرة رأسا علي عقب, وفي لحظة قدرية عجيبة, يصبح سالم سجينا بين القضبان مع المجرمين والخارجين علي القانون, وليت هذا فحسب بل سيسقط في نظر الزوجة شريكة عمره التي ستصدم معتقدة أن زوجها خانها, ومن هول ما سمعته تصاب بالشلل. لكنه يريد أن يبلغها الحقيقة فيضطر إلي القيام بمحاولات الهرب من السجن والتي تفشل جميعا, فتتضاعف في عبثية مفرطة مدة العقوبة, وبعد أن كانت سنة واحدة صارت عشرة أعوام, وحتي يكتمل المشهد يلقي الشاب كامل مصرعه لتموت معه الحقيقة إلي الابد ثم تأتيه الأنباء تفيد أن زوجته في حالة خطرة وأنها في طريقها إلي الموت, ويكاد يصاب بالجنون فيلح علي مأمور السجن( احمد مظهر) في الخروج لفترة زمنية محددة, يري فيها زوجته التي تحتضر, ولأن الأمر جد خطير يتوسل اليه: أنه لا يريد شيء من تلك الدنيا سوي دقائق يودع فيها شريكة عمره الذي ضاع, وبعد صراع طويل بين الالتزام باللوائح وتلبية نداء إنساني يحسم المأمور الأمر ويقرر علي مسئوليته الشخصية السماح للسجين سالم بالخروج من السجن بعد أن قطع علي نفسه كلمة شرف عنوان الفيلم لكن المأمور يفاجأ بزيارة مسئول كبير لم يضعها في الحسبان ولاكتمال الحبكة يصر اللواء( رشدي أباظة) علي تفقد العنبر المسجون فيه سالم الرجل المشاغب الذي حاول الفرار أكثر من مرة, وبطبيعة الحال يتلكأ المأمور لكن الأمر كان قاطعا صارما ليسقط في يده لقد ضاع مستقبله الوظيفي ومعه المستقبل, وأخيرا جاء طوق النداء لقد عاد سالم لزنزانته ليفي بكلمة الشرف التي قطعها علي نفسه ويالها من كلمة, وفي مشهد كتب كي يكون مؤثرا يعانق المأمور السجين, وفي لقطات النهاية يشارك المأمور في تشييع جنازة الزوجة التي فاضت روحها المطمئنة بعد أن عرفت أن زوجها الذي سيقضي بقية عمره في السحن بريء وأن شقيقها ابن أبيها وأمها هو المجرم الحقيقي, حكاية ولا في الأحلام!! أبو ربيع ينافس أرض شاهين لم يكتف شجيع السينما الراحل فريد شوقي بكلمة شرف فأتحف جمهوره بعمل آخر انتجه هو بنفسه وقام بكتابة القصة والسيناريو والحوار تاركا الإخراج لنادر جلال, أنه فيلم' ابو ربيع' والذي عرض عام1973 وفكرته هي الارض التي تعني نظريا الشرف والانتماء والهوية وكأننا في صياغة خلاقة لعمل آخر غير هذا الذي كتبه عبد الرحمن الشرقاوي تحت العنوان ذاته واخرجه يوسف شاهين عام1969 ولكن شتان, فالمعاني السامية جاءت في ارض أبو ربيع ساذجة مغرقة في نضالية طفولية لم تكن بريئة بالمرة, تشابه هذا التدليل الذي اختزلته ياسمين( نجلاء فتحي) الوافدة من بلاد الفرنجة حينما كانت تنادي بطل الفيلم أبو رابي فيرد عليها الأخير أبو ربيع يا فندم!! لكن من هو أبو رابي أو أبو ربيع ؟ انه رمز الارض هكذا اراد صانعو الشريط السينمائي ان يقولوه للمتفرجين وللتاريخ في آن واحد, وبهذا المعني وكونه شديد الوفاء والإخلاص اختاره الحاج راغب( عبد الرحيم الزرقاني) وصيا علي أملاكة التي آلت لأبنة أخيه فالاخيرة لا يجوز لها وفقا لوصية الرجل التي خطها قبل أن يموت أن تبيع أي شبر من الارض إلا بموافقة أبوربيع ولا نعلم أن كان هذا قانونيا أم لا في المقابل هناك الشرير عثمان بك( صلاح منصور) وابنه مراد( يوسف فخر الدين) واللذان يريدان من خلال العاب صبيانية لا تنطلي علي أحد الاستيلاء علي هذه الأرض بأي ثمن لكن أبو ربيع وبنفس الاساليب يقف لهم بالمرصاد, وفي اللحظة الحاسمة يظهر كالمارد الجبار علي قمة الجبل, رغم أنه فقد ساقة وهو يدافع عن الارض, وبطلقة واحدة من بندقيته تنطلق الرصاصة تمزق عقد البيع قبل أن توقعه ياسمين, والحق أن الجمهور اندهش كون البطلة لم تصب بسوء فقط هي الورقة التي تمزقت حتي القلم ظل في يديها دون أن يقصف!!