كان رجل في بني إسرائيل كثير المال, وكان شيخا كبيرا, وله بنو أخ, وكانوا يتمنون موته ليرثوه, فعمد أحدهم فقتله في الليل وطرحه في مجمع الطرق, ويقال علي باب رجل منهم. فلما أصبح الناس اختصموا فيه, وجاء ابن اخيه فجعل يصرخ ويتظلم, فقالوا: ما لكم تختصمون ولا تأتون نبي الله؟ فجاء ابن أخيه فشكا أمر عمه إلي رسول الله موسي صلي الله عليه وسلم. فقال موسي عليه السلام: أنشد الله رجلا عنده علم من أمر القتيل إلا أعلمنا به فلم يكن عند أحد منهم علم منه, وسألوه أن يسأل في هذه القضية ربه عز وجل, فسأل ربه في ذلك, فأمره الله أن يأمرهم بذبح بقرة فقال: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا, يعنون نحن نسألك عن أمر هذا القتيل, وأنت تقول لنا هذا ؟ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين أي أعوذ بالله أن أقول عنه غير ما أوحي إلي, وهذا هو الذي أجابني حين سألته عما سألتموني أن أساله فيه. قال ابن عباس وغيره, فلو أنهم عمدوا إلي أي بقرة فذبحوها لحصل المقصود منها, ولكنهم شددوا فشدد عليهم, فسألوا عن صفتها, ثم عن لونها, ثم عن سنها, فأجيبوني بما عز وجوده عليهم, والمقصود أنهم أمروا بذبح بقرة عوان, وهي الوسط النصف بين الفارض وهي الكبيرة, والبكر وهي الصغيرة, ثم شددوا وضيقوا علي أنفسهم فسألوا عن لونها, فأمروا بصفراء فاقع لونها, أي مشرب بحمرة, تسر الناظرين, وهذا اللون عزيز ونادر, ثم شددوا أيضا قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرب مسلمة لاشية فيها, قالوا الآن جئت فذبحوها وما كادوا بفعلون. والعثور علي بقرة بهذه الصفات أصعب, حيث أمروا بذبح بقرة ليست بالذلول, وهي المذللة بالحراثة وسقي الأرض بالساقية,مسلمة, وهي الصحيحة التي لا عيب فيها, وقوله: لاشية فيها أي ليس فيها لون يخالف لونها, بل هي مسلمة من العيوب, ومن مخالطة سائر الألوان غبر لونها. فلما حددها بهذه الصفات, وحصرها بهذه النعوت والأوصافقالوا الآن جئت بالحق ويقال إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان بارا بأبيه, فطلبوها منه فأبي عليهم, فأرغبوه في ثمنها حتي أعطوه مثل وزنها ذهبا فأبي عليهم, حتي أعطوه مثل وزنها عشر مرات, فباعها لهم. فأمرهم بني الله موسي بذبحها فذبحوها وما كادوا يفعلون أي وهو يترددون في أمرها, ثم أمرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها قيل بلحم فخذها, وقيل بغير ذلك, فلما ضربوه ببعضها أحياه الله تعالي, فقام وهو يشخب أوداجه, فسأله نبي الله موسي: من قتلك ؟ قال: قتلني ابن اخي. ثم عاد ميتا كما كان. قال الله تعالي: كذلك يحيي الله الموتي ويريكم أياته لعلكم تعقلون أي كما شاهدتم إحياء هذا القتيل عن أمر الله له, وكذلك أمره في سائر الموتي, إذا شاء إحياءهم أحياهم في ساعة واحدة كما قال: وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة.