لا تزال تدور في مخيلة "فتحية" السيدة الخمسينية، اللحظات الصعبة التي عاشتها، عندما شلت خالاتها حركتها، لتقوم "الداية" بختانها، راحت في غيبوبة من شدة الألم، ولم تستفق إلا علي منظر الدماء، والآلام الشديدة التي تشعر بها بعد قطع جزء غالٍ من جسدها. رغم المحاذير الطبية والنفسية المترتبة على عملية الختان للفتاة إلا أن مصر من الدول الأولي، علي العالم التي تنتشر بها عملية الختان، فطبقًا لإحصائية حديثة صادرة من اليونسيف، يتعرض 97 % من الفتيات المصريات لعملية الختان، فلم يتخل المصريون عن العادة، التي كان يقوم بها أجدادهم الفراعنة، منذ أكثر من سبعة آلاف سنة. فتحية هي سيدة مصرية، مثلها مثل آلاف السيدات المصريات، الذين مروا بهذه اللحظات الصعبة، توفي زوجها عنها منذ سنوات فأصبحت أرملة، تقول: "مازلت أتذكر ذالك اليوم لأني عانيت كثيراً بشكل فظيع، وشعرت بالألم حتى بعد الزواج عانيت مع زوجي لان الختان بيعمل برود وعدم توافق مع الزواج أثناء العلاقة". تكمل فتحيه حديثها: "أنا لو عندى بنت مكنتش فكرت أبدًا فى إجراء ختان لها لأنى إلى هذا اليوم أشعر بالانكسار ولم أنس اللي حصل لي، خاصة أن أقرب الناس هما اللى عملوا في كده"، فالختان يتسبب في مشاكل نفسية للسيدات، تلاحقهم طول عمرهم، خاصة أنها تؤثر على علاقاتهم الزوجية، وهو ما قد يتسبب في الكثير من المشاكل الأسرية، والتي قد تصل للانفصال. أما هبة فقد كان شرطها الوحيد للحديث هو عدم الإفصاح عن هويتها لحساسية الموضوع تقول: "أنا مررت بسبب الختان بعذاب، ومازلت أعاني منه، خاصة أثناء العلاقة الجنسية مع زوجي، وأنصح كل الآباء والأمهات بعدم إجراء عملية الختان لبناتهن، لأن الموضوع صعب ويؤدي لآلام نفسية لا يتصورها أحد إلا الذي مر بالتجربة". بالرغم من الآلام التي مرت بها هبة، والمعاناة التي عاشتها في حياتها الزوجية، إلا أنها فشلت في إقناع زوجها، بعدم إجراء عملية الختان لبنتهم الوحيدة، التي من المنتظر أن تمر بنفس التجربة الصعبة، وقطع جزء من جسدها تحت مسمي العادات والتقاليد. وعلى الرغم من وجود هذه النماذج من السيدات الرافضات لتلك العادات والتقاليد، واللاتي يعتبرون الختان تجربة سيئة، إلا أن هناك سيدات مقتنعات ومتمسكات بتلك العادات، ويقومن بإجراء عملية الختان لبناتهن، لتستمر العادة السيئة الضاربة في جذور المجتمع المصري. تفترش أم دينا السيدة البسيطة على الأرض لتنادى بصوت جهوري علي بضاعتها، تقول وهي تبتسم من شدة الحياء: "في الفلاحين حرام البنت تتجوز من غير ما تتم لها عملية الختان"، تحكى أم دينا عن تجربتها مع الختان لابنتها فتقول قمت بإجراء عملية ختان لابنتي الكبرى، وأنوي أن أقوم بالختان لشقيقتها الصغيرة، خاصة بعد أن أوصت جدتهم بذلك، لأنه طبقًا لما هو دارج في قري مصر حرام ترك البنت من غير ختان. تري أسماء السيد دكتورة النساء والتوليد بالبدرشين، أن الختان يؤدي لمشاكل نفسية وصحية كبيرة للفتاة، أهمها إصابة الفتاة بالبرود الجنسي، وهو ما قد يؤدي لفشل العلاقة الزوجية، مشيرة إلي أن الختان قد يودي بحياة الفتاة، فمن الممكن أن تتعرض لنزيف حاد، خاصة أن من يقومون بمثل هذه العملية، غير مدربين ولا يوجد لديهم الاستعداد المهني، حيث يتم الختان بطرق وأدوات بدائية، وهو ما قد يتسبب في نقل العدوى. ويؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أنه لا يوجد نص صريح صحيح على وجوب ختان الإناث وليس واجبًا شرعا ولابد من عدم الخلط بين ختان الإناث والذكور فقد اجمع الفقهاء على أن ختان الذكور فرض إتباعًا لملة سيدنا إبراهيم عليه السلام وما اقره النبي محمد عليه الصلاة والسلام وذلك من سنن الفطرة إلى تعارف الناس عليها. وأوضح الدكتور إبراهيم أحمد، الرئيس الأسبق بقسم القانون الدولي، جامعة عين شمس، أن ختان الإناث جريمة جنائية يعاقب عليها القانون المصري ويعتبر كل من يقوم بهذا الفعل مجرما سواء كان الطبيب أو غيره، مشيرا إلي أن الوالدين، عليهم نفس عقوبة الطبيب الذي يقوم بعملية الختان. وأشار إلي أن المادة 141 و 142 من قانون العقوبات، نصت علي أن ختان الإناث جريمة يعاقب عليا القانون، وتصل مدة العقوبة علي مرتكبها لثلاث سنوات سجن وغرامة، وفي حال قيام "الداية" أو التمرجي أو الحكيمة، بالقيام بهذه العملية، توصف الجريمة علي أنها جرح عمدي بالإضافة لممارسة الطب بدون ترخيص.