تحل غدًا الذكرى ال19 لرحيل المفكر الراحل فرج فودة الذي تسعى جماعة شابة في دمياط تحمل اسم " الخروج للنهار " لاستعادة أفكاره مجددا وسط جدال عام يملأ المجتمع المصري حول مفهوم الدولة المدنية وهو مفهوم سعى الراحل لإشاعته الأمر الذي يمنح ذكراه معنى جديدا مع ثورة 25 يناير. الاحتفالية يشهدها مسرح قصر ثقافة دمياط وتستمر ليومين في مدينتي دمياط والسويس ، لا تكتفي الاحتفالية بالتنديد بجريمة اغتيال فودة من قبل جماعات أصولية مسلحة وأنما تستهدف تعريف الأجيال الجديدة بمشروعه الفكري ونضاله ومناقشة بعض أعماله. اهتمت أفكار فرج فودة بمناقشة فكرة الدولة العلمانية، وأصدر كتبا عديدة بهذا المعنى أثارت جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين،من أبرزها الحقيقة الغائبة، زواج المتعة، حوارات حول الشريعة. الطائفية إلى أين؟، الملعوب. نكون أو لا نكون، الوفد والمستقبل، حتى لا يكون كلاما في الهواء، النذير، الإرهاب، حوار حول العلمانية، قبل السقوط. وفي هذه المؤلفات طالب بفصل الدين عن الدولة، وحاول تأسيس حزب باسم "حزب المستقبل" وكان ينتظر الموافقة من لجنة شئون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى ووقتها كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه، وطالبت تلك اللجنة لجنة شئون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 "بجريدة النور" بيانًا "بكفر" الكاتب المصري فرج فودة ووجوب قتله، وهو ماتحقق فعلا في السادس من شهر يونيو من العام نفسه حيث تم اغتياله على يد إحدى الجماعات المتطرفة اللافت أن كثيرين يرون الآن أن ثورة 25 يناير هي ثمرة من ثمار المشروع التنويري لفودة كما يؤكد على ذلك الدكتور عصام عبدالله أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس ، مشيرا إلى أن من قام بهذه الثورة شباب متعلم واع يمتلك أدوات العصر، ولا ينتمي لأي حزب أو فصيل سياسي، رفع شعارات طالما نادى بها الراحل ودفع حياته من أجلها مثل؛ "مدنية مدنية.. سلمية سلمية" و"حق مريم زي فاطمة هي ديه تبقى المواطنة" و"مسلم مسيحي إيد واحدة"، هذه الشعارات الثلاث ربما كانت أهم ماحلم فرج فودة بتطبيقه في مجتمعنا. يعتقد عبد الله أنه في الذكرى ال19 لرحيل فودة تبعث أفكاره من جديد كالأرواح المستحضرة مما يؤكد أن الجسد المصري سليم، وأن مصر ينتظرها مستقبل كبير بصرف النظر عما يحدث الآن من تجاوزات تضبب الرؤية فهذا الشعب الحضاري يريد الحياة الأفضل والمستقبل الذي حلم به فرج فودة . وفي سياق متصل رأى د.كمال مغيث الخبير والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية أن الاحتفال بذكرى فودة حدث في غاية الأهمية، ويأتي في موعده تمامًا، بعد ثورة مجيدة، كان أحد أهم مبدأين لها هما التضحية والدولة المدنية، وهذا الاحتفال بذكرى فودة يأتي تتويجًا للجهود والتضحيات المصرية في سبيل الحرية والدولة المدنية التي دافع عنها ودفع حياته ثمنًا لها، ليصبح أول شهيدٍ مصري للفكر .. يرى مغيث أننا الآن أحوج ما نكون إلى أفكار فرج فودة التي واجهت تيارات الإسلام السياسي على اختلاف أنواعها، فأصحاب هذه الآراء يسعون الآن لطرح رؤاهم المتخلفة لعلاقة المجتمع بالدين، إضافة إلى محاولتهم السطو على الثورة واستثمار نجاحتها للتفريق بين المواطنين وفرض رؤية فردية متخلفة والتهديد بأحكام الردة والتمييز بين المواطنين والعودة بمصر مرة أخرى للعصور الوسطى. ومن جانبه يرى الدكتور علي مبروك أستاذ الفلسفة أننا يجب علينا استعادة أفكار فرج فودة بشرط تطويرها لتناسب السياق الراهن الذي نمر به الآن، لافتًا إلى التغيرات الاجتماعية والسياسية التي عقبت رحيل فودة في العام1992، والتغيير الذي طرأ على خطاب الإسلام السياسي في ظل غياب ظاهرة الإرهاب والجماعات الدينية المتطرفة، فلقد تحول المجتمع بحسب مبروك إلى مجتمع غير متطرف لكنه محافظ دينيا، وهو ما يجعلنا نعيد النظر في أفكار فودة التي كانت تواجه الإرهاب بالأساس، مؤكدًا أننا يجب أن نستعيد تلك الأفكار ولكن بعيدًا عن المجال السياسي ، لأنه للأسف أصبح السائد في مصر حاليًا إما طرح مدني أو أخر ديني ولكنهما في إطار سياسي خالص ، وكلاهمًا ضار في النهاية، ولن ينجينا من ذلك إلا الإلحاح على ضرورة التعامل المعرفي مع المفاهيم والآراء السياسية المختلفة. ويختلف الكاتب الصحفي حلمي النمنم رئيس مجلس إدارة دار الهلال مع مبروك في أن أفكار فودة لا تحتاج إلى تطوير لأنه أساسًا لم يأت بجديد، وإنما أعاد طرح أفكار الشيخ على عبدالرازق وأفكار الاستنارة المصرية بأسلوبه الخاص، ولم يكن طرحه لأفكاره مع بداية ظهور الإرهاب في التسعينيات، وإنما بدأ قبل ذلك، فهو كان يتحدث في مواجهة التيارات الأصولية والسلفية والتي كانت تحاول السطو على الدولة المصرية عن طريق العنف، مضيفًا: هذا العنف ماثل اليوم كذلك ولكنه عنف إلى جانبه عمل سياسي يمارسه تيار الإسلام السياسي في الشارع، والشارع هو مجال إحياء أفكار فودة مرة أخرى .