حين كان البابا شنودة يزور بريطانيا في أوائل التسعينيات، أعجب رجل دين مسيحي بطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وطلب من البطريرك آنذاك أن ينضم إليهم، مشيرا إلى أن الكنيسة الإنجليزية التي يقوم بالخدمة فيها تحتوي على عدد محدود من الرعية. وافق البابا شنودة وقتها مبدئيا على الفكرة وبعدها جاء الرجل إلى مصر ليترهبن في دير السريان وقضى فترة ثم رسمه البطريرك أسقفا ورقاه لمطران في نفس اليوم ليصبح الأنبا سيرافيم مطران إنجلترا للأقباط الانجليز بمدينة جلاستونبوري وهو مطران الكنيسة البريطانية التى انضمت للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في عهد البابا شنودة الثالث. ظلت الكنيسة الإنجليزية 21 عاما تابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إلى أن قررت الانفصال عنها بشكل وصفه الطرفان بالودي. ووفقا لقول أحد الرعية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بلندن فإن الأنبا سيرافيم ناسك متعبد ليس له نشاطات مجتمعية بشكل واسع ويتحدث اللغة الإنجليزية وتقام كل نشاطات الكنيسة بنفس اللغة. يوضح أحد رعية الكنيسة القبطية في تصريح خاص ل"بوابة الأهرام" أن الانفصال جاء عقب تذمر الشباب من المنهج الأرثوذكسي وصعوبته وأن المطران استجاب لرغباتهم لأن الكنائس في الخارج تدار بشكل أكثر ديمقراطية والرعية يسألون عن كل خطوة يتم عملها داخل الكنيسة. ترفض الكنيسة القبطية وصف ما حدث بالانفصال أو الانشقاق لأحد إيباراشيات إنجلترا ، علما بأن الكثير من الأقباط اعتبروا هذا الحدث -بصرف النظر عن مسماه- مؤشر خطر خاصة أن الأسباب التي قدمتها الكنيستين في بيانهما المشترك لم تكن كافية من وجهة نظرهم. يرى القمص انطونيوس ثابت – شيخ كهنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بإنجلترا - أن الأمر أخذ أكبر من حجمه إعلاميا وفي مصر رغم أن الأمر بسيط جدا وأن ما حدث ببساطة هو رغبة انفصال الكنيسة الإنجليزية عن الكنيسة القبطية. وحول السبب، قال انطونيوس في اتصال هاتفي ل"بوابة الأهرام" إنهم ليس لهم علاقة قوية بهذه الكنيسة ، مؤكدا أن لديهم أسبابهم التي لا يعرفها وهم فقط من يستطيعوا الإجابة على هذا السؤال. إلا أن آنطونيوس رجح أن أسباب انفصال الكنيسة البريطانية عن الكنيسة القبطية ترجع في عدم قدرة رعايا الكنيسة الانجليزية على استيعاب الطقوس الدينية الأرثوذكسية لصعوبتها. أكد القمص انطونيوس أن ما حدث كان بشكل ودي ولم يكن هناك أي نوع من الصراعات أو الثورة أو ما شابه، نافيا تماما قول أحد الرعية أن يكون السبب هو تذمر الشباب ووجود مؤشرات على هجرتهم من الكنيسة مشهد انفصال الأنبا سيرافيم برعيته عن الكنيسة القبطية أعاد للأذهان مزاعم انفصال إيباراشية أمريكا الجنوبية بقيادة الأنبا يوسف، والتي نفتها الكنيسة والأسقف على حد السواء. جاهد الأنبا يوسف آنذاك كثيرا من أجل دحض تلك المزاعم، حتى أن الرجل هرول عائدا إلى مصر وعمد إلى حضور العظة والصلاة بجوار البابا توا ضروس باللغة العربية ليؤكد بالفعل أنه مازال جزءا من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. رد الأنبا يوسف على تلك المزاعم بالتأكيد على أنه كان يريد اسما للشهرة للكنيسة و يحتاج أن يؤدي الصلوات باللغة الإنجليزية لأن الجيل الجديد من رعايا كنيسته لا يفهم لغة سواها. إلا أن تفنيدات أسقف أمريكا الجنوبية قوبلت بمعارضة شديدة من المجتمع القبطي الأرثوذكسي، الذي أحاط الرجل بالشكوك والظنون، الأمر الذي اضطر يوسف لأن يكون أول الحاضرين في أول اجتماع بالمجمع المقدس تلا هذه الشائعات وكان أول أسقف يقف في مكانه المحدد أثناء الصورة التذكارية أمام المركز الثقافي القبطي. وبمقارنة مشهد انفصال الكنيسة البريطانية ومزاعم انفصال الأنبا يوسف نجد أن المشهدين اختلفوا في تفاصيل وتشابهوا في تفاصيل وكان ذلك وراء اختلاف تعامل الكنيسة مع المشهدين. ففي واقعة بريطانيا قبلت الكاتدرائية المرقسية الانفصال الودي، أما في واقعة الأنبا يوسف كان للكنيسة دور في نفي هذه الشائعات وظهور الرجل بجانب البابا توا ضروس للقضاء عليها بشكل نهائي. كما أن تعامل الكنيسة اختلف مع الواقعتين، فإن ثقل الرجلين يختلف داخل أروقة الكنيسة حيث أن الأنبا سيرا فيم أسقف انجليزي الأصل وليس له نفوذ داخل أروقة الكنيسة ، أما الأنبا يوسف فهو سكرتير المجمع المقدس المساعد وله شعبية بين عموم الأقباط. يرجع الوزن النسبي للأنبا يوسف بالكنيسة لكونه أحد المقربين من البطريرك والذي عينه سكرتيرا للمجمع المقدس، بينما الوضع يختلف مع الأنبا سيرا فيم والمعروف بزهده وتعبده وعدم قيامه بأي دور اجتماعي وهو ما أدى إلى غيابه عن أي مشهد يجمعه بالبابا. المرونة التي تعاملت بها الكنيسة القبطية مع الأنبا سارا فيم تكمن في أن عدد رعايا هذه الكنيسة قرابة ال40 شخص، بينما يختلف الوضع مع الأنبا يوسف الذي يتجاوز عدد الرعايا في ايباراشيته الآلاف. في واقعة الأنبا سيرافيم، ذهب إليه الأنبا أنجيلوس أسقف عام الكنيسة القبطية بالمملكة المتحدة إلى مقر الكنيسة الإنجليزية وأصدر الطرفان بيانا وديا مشترك حول انفصال الكنيستين، بينما في واقعة الأنبا يوسف سارع الرجل بالحضور إلى مصر لدحض الشائعات. تعامل الأقباط مع انفصال الأنبا سيرافيم بشكل أكثر هدوءا من تعاملهم مع شائعة الأنبا يوسف والتي كادت تتسبب في أزمة لولا مسارعة "يوسف" والكنيسة بنفي الشائعات. الاختلاف الشديد بين المشهدين يوضحه أن الكنيسة الإنجليزية بقيادة سيرافيم لم تكن جزءا من الكنيسة القبطية قبل 21 عاما، بينما الكنيسة في أمريكا الجنوبية دشنتها الكنيسة القبطية مع زيادة رعاياها هناك في مطلع التسعينيات وهو ما يفسر اختلاف تعامل القيادة الكنيسة بالكاتدرائية مع المشهدين.