"ما أشبه الربيع العربى بالسقوط المروع لحائط برلين" تلك كانت الكلمات التى بدأ بها الروائى المغربى الطاهر بن جلون حديثه حول كتابيه اللذين أصدرهما مؤخرا والذى خصص أحدهما لشهيد الشباب التونسى محمد البوعزيزى واصفا إياه بأنه من ضغط على زناد ثورة الياسمين.. بينما خصص كتابه الثانى عما سماه الربيع العربى المتمثل فى الثورات التى تجتاح العالم العربى الآن. الكتاب الأول الذي أصدره "بن جلون" مؤخرا عنوانه "عن طريق النار" وهى رواية مكونة من خمسين صفحة تتميز بأنها رواية شعرية وواقعية فى آن واحد حيث يسرد فيها الطاهر بن جلون الأيام التى سبقت انتحار محمد البوعزيزى يوم 17 ديسمبر 2010 والذى فجر بانتحاره الثورة التونسية. يصف "بن جلون" هذه الرواية بأنها عمل ادبى لاسيما أن الأدب يمكن أن يكون له تأثير مهم وكبير على البشرية. ليست البشرية فقط وإنما التاريخ البشرى نفسه الذى يتأثر بالكلمات طالما أن اليأس لا يفرق بين أحد والدليل أن هناك أناسا انتحروا فى فرنسا بسبب ضغوط العمل. إنه نفس اليأس الذى أصاب البوعزيزى وإن اختلفت الأسباب التى أدت إليه. الكتاب الثانى هو بمثابة الشرارة التى تنتظر التوهج. فالثورات التى تشهدها البلدان العربية يجب أن تؤخذ كل على حدة فالرواية الثانية تتناول كل حالة باعتبارها حالة فريدة من نوعها دون أن نضع فى الأذهان الرئيس مبارك أو الرئيس "بن على" فالرواية تتناول التحدى الذى واجهته هذه البلدان مؤكدة أن كل دولة عربية لها صيغتها المفردة. وقد كتب "بن جلون" هاتين الروايتين فى آتون الثورة وفى خضم اشتعالها لكى تصبح كل كلمة فى الرواية بمثابة واجهة حقيقية للأحداث التاريخية التى تحدث لتصبح المسألة فى النهاية أشبه بحائط برلين الذى حرر بلدانا عديدة فى جميع أنحاء العالم بانهياره. ولعل هذا ما نلاحظه الآن فى العديد من الدول العربية بل ونلاحظه بشكل أشد فى إسبانيا مثلا. ويسلط الكاتب الضوء على المستقبل خاصة ما يجب أن تقوم به القارة العجوز فالدول الأوروبية يجب عليها أن تنتبه جيدا للشباب الذى فجر هذه الثورات ويجب أن تعترف بأنها طالما أهملتهم كما يجب أن تعترف بأن هؤلاء الشباب قد لبوا نداء الحرية العربية بعد عقود من الاحتقار والعنصرية. وطلب "بن جلون" من الدول الأوروبية أن تولى جل اهتمامها بالسياسة والاقتصاد فى الجنوب فتلك هى أفضل وسيلة للحد من الهجرة غير الشرعية فبالتأكيد سيكون ذلك أفضل من سياسة القمع التى كانت متبعة من قبل. وحسب "بن جلون" فالربيع العربى قد حرر الهمم والطاقات ويجب الاعتراف بأن ما فعله العرب قد أصاب الجميع بالدهشة والإعجاب بل والذهول أيضا فى آن واحد. ويلقى "بن جلون" الضوء على أن أهم ما يميز هذه الثورات أو الربيع العربى هو أنها انبثقت بعيدا عن أيدى الجماعات الإسلامية التى يجب عليها أن تكون قد عرفت حجمها الحقيقى. وهذا الأمر يؤكد أن الجيل الذى قام بها هو جيل جديد فى أفكاره ومعتقداته ولا يهاب شيئا ولكن ليس معنى ذلك أن المسألة انتهت بل إن الطريق لا يزال طويلا. فهذا الربيع العربى قد بعث الأمل والترقب لإرساء المزيد من الديمقراطية التى لا يجب أن تتغافل عن ضرورة استعادة الأموال المنهوبة على يدى مبارك و"بن على". أما بالنسبة لليبيا فإن "بن جلون" يراها بلعبة الدومينو "المقفولة" إذ إن حلها الوحيد أصبح هو وفاة شخص ما أو هروبه.. صحيح أن التدخل الغربى كان لازما ولكنه للأسف جاء متأخرا. أما فى سوريا فالوضع أيضا مختلف إذ أنه يشبه وضع دول أوروبا الشرقية. فالقوات المسلحة لا تتحرك إلا بصراخ كبير الضباط. وأوروبا من جانبها لن تتدخل لأن الوضع شديد التعقيد والوحيد الذى يدفع ثمن ذلك هو الشعب السورى. الطاهر بن جلون (ولد في 1 ديسمبر 1944، فاس) كاتب مغربي وسافر إلى فرنسا حيث حصل على شهادة عليا في علم النفس. وبدأت مسيرته في الكتابة بعد فترة قصيرة من وصوله إلى باريس حيث عمل كاتبا مستقلا لصحيفة لوموند وبدأ ينشر الشعر والرواية ومن أعماله الشهيرة: " ليلة القدر ، تلك العتمة الباهرة ، ليلة الغلطة 1996.