كل ما تريد معرفته عن تنسيق الجامعات 2025 (س و ج)    «الجبهة الوطنية» يضع خطة استراتيجية لدعم مرشحيه بانتخابات «الشيوخ»    افتتاح مسجدين جديدين بالفيوم وسط استقبال شعبي واسع    كلية التربية بجامعة قناة السويس تعلن قواعد التنسيق الداخلي للالتحاق بقسم التربية الفنية للعام الجامعي    د. يسري جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة ومكانتها في البيت والمجتمع    وزير العمل عن دمج وتوظيف ذوي الهمم: قضية تحتاج تكاتف المؤسسات    استقرار سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 25 يوليو 2025    ترامب يطلب من رئيس الفيدرالي خفض أسعار الفائدة من جديد    بالانفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    غدا.. ضعف المياه بحى شرق وغرب سوهاج لأعمال الاحلال والتجديد    اتصال طارئ بين قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا لبحث أزمة غزة بعد إعلان ماكرون دعم فلسطينين    ترامب: الفصائل الفلسطينية لا تريد اتفاقًا بشأن غزة.. وأعتقد أنها ستسقط    الجيش اللبناني يُشارك في إخماد حرائق بقبرص    محاضرة فنية ل يانيك فيريرا قبل مواجهة وادي دجلة    غرق طالب ثانوي في مياه البحر المتوسط بمصيف بلطيم بكفر الشيخ (صورة)    نيابة باب شرقي تطلب تحريات اتهام شخص بهتك عرض طفل في الإسكندرية    "الشاطر" يتألق في شباك التذاكر.. أمير كرارة يقود مغامرة أكشن كوميدي تحقق 32 مليون جنيه في 9 أيام    وزير الثقافة يهنئ المبدعين بيوم الثقافة العربية ويدعوهم لتعزيز الهوية وصون التراث    مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها" تحتفي بالتراث في أوبرا دمنهور    ب"فستان قصير"..أحدث ظهور ل نرمين الفقي بمنزلها والجمهور يغازلها (صور)    هل يقبل عمل قاطع الرحم؟ د. يسري جبر يجيب    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي مسؤولي 4 شركات يابانية لاستعراض مشروعاتها وخططها الاستثمارية بالسوق المصري    وكيلة "الصحة" توجه بتوسيع خدمات الكُلى بمستشفى الحميات بالإسماعيلية    طريقة عمل الكيكة، هشة وطرية ومذاقها لا يقاوم    الكابتشينو واللاتيه- فوائد مذهلة لصحة الأمعاء    زيلينسكي: دفاعاتنا تصد الهجوم الروسي خلال الصيف    برنامج تأهيلي مكثف لنجم الهلال السعودي    محافظ الجيزة يوجه بضبط «الاسكوتر الكهربائي للأطفال» من الشوارع    عامل يقتل زوجته ويدفنها خلف المنزل تحت طبقة أسمنتية بالبحيرة    استشهاد شخص في استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لسيارة في جنوب لبنان    بيراميدز يتجه إلى إسطنبول لمواجهة قاسم باشا    رحيل هالك هوجان| جسد أسطوري أنهكته الجراح وسكتة قلبية أنهت المسيرة    مصرع شخصين وإصابة آخرين إثر حادث تصادم في الطريق الزراعي بالشرقية    نائب وزير الخارجية الإيراني: أجرينا نقاشا جادا وصريحا ومفصلا مع "الترويكا الأوروبية"    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    "كوردا" يشاهد أعمال المسح الطوبوغرافي لمشروع الطريق الرابط بين مصر وليبيا وتشاد    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    ضبط 596 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    شقيقة مسلم: عاوزة العلاقات بينا ترجع تاني.. ومستعدة أبوس دماغة ونتصالح    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    بعد إثارته للجدل.. أحمد فتوح يغلق حسابه على "إنستجرام"    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    «مشتغلش ليه!».. رد ناري من مصطفى يونس بشأن عمله في قناة الزمالك    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أگلة لحم الشهيد
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 04 - 2012

عرفت البشرية أنواعا من الظواهر الغريبة عبر تاريخها الطويل كأكلة لحوم البشر cannibalism أثناء المجاعات والحروب وأمراضا نفسية مرعبة كاشتهاء مضاجعة الموتي Necrophilia والتلذذ باغتصاب الجثث أو التنكيل بها بتقطيعها واللهو بأعضائها واذلالها واذعانها لنزواتهم السادية والجوع للقتل واعادة قتل المقتول واغتصابه والتمثيل بجثته وايلامه. وظاهرة مضاجعة الاطفال البيدوفيليا Pidophilia . كلها ظواهر تذكر بذلك الشبق المحرّم وتشير إلي ذلك الباب الذي يخفي غريزة دفينة في اللاوعي البشري متعطّشة للدماء وللجريمة.
ولكن ماذا نسمي الكاتب المتلذّذ بجثث الشهداء اليوم؟ ماذا نسمي من ينكّل بسيرة الشهيد ويبتسرها ويفرغها من أي قيمة ويحوّلها إلي سلعة ويعرضها للبيع ويبقي يتمعّش منها ؟ هل نسميهم مرتزقة الشهداء أم أكلة لحم الشهيد ؟
منذ سنوات كانت تعترضني مواقف الكاتب المغربي محمد شكري من الطاهر بن جلون وكنت أستغرب مواقفه منه واتهامه بالانتهازية والانبطاح للغرب. كنت مستغربا من ذلك العداء المعلن الذي يشنه صاحب «الخبز الحافي» لمن قدمه للمشهد الأدبي الفرنسي والعالمي فبن جلون هو نفسه ناقل «الخبز الحافي» إلي الفرنسية تلك الترجمة التي كانت بوابة شكري للعالمية.
استغرابي ذلك تبخّر تماما وأنا أقرأ ما خطه الطاهر بن جلون عن الثورات العربية وخاصة ما كتبه عن الثورة التونسية. في كتابيه «الشرارة؛ انتفاضة في البلدان العربية) « و»بالنار» وهما يرتقيان إلي مستوي الدعارة السياسية التي تأتي من كاتب كرّسته ماكينة الفرنكفونية وعمل علي مغازلتها بتصدير صورة المجتمعات العربية كما تريدها. ورغم أننا لم نسمع عن الطاهر بن جلون انه ساند كاتبا عربيا مقاوما في الداخل العربي ولا سمعنا عنه أنه استغل ثقل حضوره في أعتي واكثر الصحف الفرنسية نفوذا ليهجو حاكما عربيا مستبدا بل اننا لم نسمع به رفض جائزة او دعوة من عاصمة عربية ترزح تحت الدكتاتورية فإنه كان أول المهرولين نحو دماء شهداء الثورات العربية كمصاصي الدماء في القرون الوسطي.
الهرولة إلي الحدث
كان صاحب جائزة جونكور أول الكتّاب من أصول عربية والمقيمين بالغرب الذين سارعوا للكتابة عن الربيع العربي فانطلق يحبّر هنا وهناك في الصحافة الفرنسية ليجمع ذلك الهم الحبري في كتابين حمل الأول عنوان «الشرارة» سرعان ما ترجم إلي لغات الدنيا ثم جاء كتاب»بالنار» وضعه تحت علامة أجناسية «رواية» وكان الكتاب فضيحة أدبية كاملة تقفية علي عبارة» الجريمة الكاملة».
»بالنار» علامة رائدة في الأدب الرديء
يتحدث التونسيون عن الكتاب الذين ركبوا علي الثورة وكتبوا روايات متسرعة وتتناقل الصحافة التونسية والعربية خبر رواية الطاهر بن جلون العظيمة عن سيرة الشهيد التونسي محمد البوعزيزي وكأنهم يرون في ما أقدم عليه بن جلون تكريما لشرارة الربيع العربي. كل ذلك ناتج عن عدم قراءة النص ذاته فبالنسبة إليهم يكفي أن كاتبه صاحب الجونكور؛ الكاتب الفرانكوفوني ذائع الصيت. ولكن متي قرأنا الرواية أو ذلك الكتاب الذي حمل تلك العلامة الأجناسية كنا أمام صدمة أدبية فكيف لكاتب عالمي كما صنفته الموسوعات ووسائل الإعلام والجوائز أن يقدم علي كتابة نص بتلك الرداءة.
فماهي علامات رداءة الرواية؟
أليس من حق الطاهر بن جلون أن يكتب عن البوعزيزي؟
شخصية مرجعية بلا مرجع
بكل تأكيد لكل كاتب الحق في كتابة أو تحويل أي شخصية مرجعية كما حددها فيليب هاومون والتي تضم الشخصيات التاريخية,والأسطورية, والمجازية, والاجتماعية.إلي شخصية روائية ضمن عمل روائي فقد استدعي رشيد بوجدرة شخصية طارق بن زياد في « معركة الزقاق « واستدعي غيره المتنبي واستدعي واسيني الأعرج الأمير عبد القادر في «كتاب الأمير» وكتب بنسالم حميش سيرة ابن خلدون في روايته «العلاّمة» فلماذا لا يكتب الطاهر بن جلون عن الشهيد محمد البوعزيزي؟
كل هؤلاء الكتّاب قضوا سنوات يبحثون في حيوات تلك الشخصيات المرجعية ليستلهموا منها أو ليعيدوا كتابتها روائيا فالرواية لا تتنازل عن وظيفتها الأساسية في الايهام بالواقعية. ومن ثمة يكون البحث في سيرة الشخصية التاريخية أو المرجعية أمرا ملزما للروائي وبعدها له الحق في تحويلها من عالم الوجود الحقيقي إلي عالم التخييل.
خلافا لذلك بدا الطاهر بن جلون متسرعا في رسم ملامح شخصية البوعزيزي ويأخذ تلك الأخبار التي كانت تروّج عنهقبيل هروب بن علي من باب المسلمات فيظهر علينا البوعزيزي في رواية الطاهر بن جلون متحصل علي أستاذية في التاريخ ولا يتردد الكاتب في جعله واحدا من مناضلي اليسار بالجامعة. وبهذه الهفوة يسلب الطاهر بن جلون الشهيد حقه في الانتماء للعامة ويلحقه عنوة بالنخبة وباليسار ليتمسك الكاتب بالكليشي المعروف عن ناشط سياسي متخرج من الجامعة محكوم عليه بالبطالة عقابا علي ذلك النشاط المناهض للسلطة أيام الدراسة الجامعية. والحقيقة طبعا أن محمد البوعزيزي لم يتحصل علي البكالوريا ولا عرف الجامعة لا من قريب ولا من بعيد.
أسماء مغربية لشخصيات تونسية
تتواصل هرطقات بن جلون في اقحام شخصية أخري في الرواية لتشكل صورة الانتهازي ليكون المقابل للبوعزيزي صاحب المبادئ ولكن من المضحك أن السيد بن جلون يطلق عليها من دون الأسماء اسما مغربيا قحا لا يمكن ان تجده في كل ربوع تونس وهو: بوشعيب وهكذا يصبح عنصر الدراما عنصرا مضحكا يشي بفداحة ما يرتكبه الكاتب من تسرّع وسقوطه من جديد في كليشيهات جاهزة يمكنك ان تلتقطها بسهولة في المسلسلات العربية الساذجة. فبوشعيب هو التاجر الغني الجاهل الذي سيستغل فقر محمد البوعزيزي ليطلب منه ان يزوجه اخته الصغيرة مقابل شراكته في التجارة او حمايته من البوليس.
مدينة سيدي بوزيد المدينة السياحية
ويتواصل الاضحاك في رواية «بالنار» حيث يقدم لنا بن جلون مدينة سيدي بوزيد المدينة الفقيرة والمنسية والمحافظة جدا كما لو كانت نيويورك بعماراتها البلورية وكما لو كانت العاصمة بمقاهيها المختلطة وقاعات الشاي التي يتردد عليها محمد البوعزيزي مع صديقته والشوارع باريسية يتعانق فيها العشيقان بكل حرية. ولا يجدون صعوبة كبري في ممارسة الحب في مدينة محافظة كمدينة سيدي بوزيد يقول:» غالبا ما كان يتواعدان في المقهي. يتحدثان كثيرا ويدوران ثم يقهقهان. مضي أكثر من ثلاثة أشهر من دون أن يتمكنا من الالتقاء بمفردهما ليمارسا الحب. في المرة الأخيرة، أعارتهما ابنة عم زينب شقتها الصغيرة لأن شريكتها في الايجار كانت مسافرة.»ص133 وبدت أحيانا سيدي بوزيد كما لو انها سيدي بوسعيد فهو يصر انها مدينة سياحية وشقيق البوعزيزي دليل سياحي يتعرض لمضايقة الشرطة بسبب تاريخ شقيقه السياسي. وأحيانا أخري تتحول سيدي بوزيد إلي «ساحة جامع الفنا» المغربية يلاعب فيها البعض القردة والببغاوات يقول الراوي:» كان هناك بائعو سجائر أمريكية بالمفرّق؛ غاسلو سيارات بسرعة فائقة؛ مرافقو مسنين يحتاجون للمساعدة، بائعو بطاقات بريد رسموها بأنفسهم؛ صانعو ألعاب من علب الليموناده. بائعو خرائط البلاد وصور مايكل جاكسون وبن هابر؛ مهرجون يرتدون ألبسة حمرا ويقومون باستعراضات وخدع؛ مروضو قردة وببغاوات؛ وآخرون يعرضون أفلام مقرصنة...كما كان هناك رواة علقوا لواقط الصوت علي ثنية ستراتهم...» ص148 ولأن الطاهر بن جلون خالي الذهن تماما من خصوصية المجتمع التونسي فهو لا يتردد في أن يجعل يوم الجمعة والسبت يومي عطلة في تونس كما هو الشأن في بقية الدول العربية ففي النهاية كل الدول العربية في ذهنه نسخ من بعض .
بن جلون يمدد عهد بن علي بسبع سنوات اضافية
أما الحقائق التاريخية فلا معني لها حتي أن الكاتب يخلط بين العهد البورقيبي وعهد بن علي ويتحدث عن ثلاثين سنة من الحكم في حين بن علي حكم البلاد لمدة 23 سنة فيقول الراوي: «في البيت، كان التلفاز القديم يعرض برنامجا بالذكري الثلاثين لعهد رئيس الجمهورية ...» ص 152 وقد ختم بن جلون مضحكاته بتغيير عملة البلاد التونسية من الدينار الي الريال.
الكليشيهات الأمر الأكثر نشاطا في الكتاب
وتتواصل الكليشيهات في الرواية ليتحدث بن جلون عن الاسلاميين وعن مضايقتهم للبوعزيزي واتهامهم له بالالحاد.
ولكن أطرف سذاجة تعترضك في الرواية هي كيفية حصول محمد البوعزيزي علي رأسماله لشراء بضاعته لاول مرة فقد وصل الخيال بالطاهر بن جلون ان يتصور أن هناك ياناصيب في كلية الاداب فاز به محمد البوعزيزي وكانت الجائزة تذكرة طائرة إلي مكة واخذ يبحث عن حاج ليبيعها له وبثمن التذكرة اشتري تفاحا وبرتقالا ملأ بها عربة والده التي اخذ يجرها في الشوارع كبائع متجوّل. يقول:» فاز محمد برحلة إلي مكة من خلال سحب يانصيب خيري أجرته كلية الآداب التي درس فيها. في المرة الأولي التي حالفه الحظ، لم يستطع الاستفادة منه. ماذا سيفعل ببطاقة الطائرة؟ أولا، لم يكن لديه رغبة في أن يحج إلي مكة، من ثم لم يكن يملك المال الضروري لاتمام هذه الشعيرة، حاول كثيرا أن يقبض قيمة البطاقة من شركة الطيران، ولكنها لم تستجب لطلبه.. لم يبق أمامه سوي العثور علي حاج ليبيعه البطاقة...»ص 128
لا يمكن أن يذكرني هذا التخييل إلا بمواضيع التعبير الكتابي لتلاميذ الصف الخامس والسادس ابتدائي، فلا منطق يحكمه ولا واقعية تلجمه، فهل يعود هذا إلي جهل صاحب»ليلة القدر» بالجامعة التونسية ومناخات البلاد التونسية والعربية عامة أم لفقر في الخيال نفسه؟
وأطرف الطرائف تلك التي ينهي بها بن جلون كتابه عندما ينتقد علي لسان راويه ما أقدم عليه أحد المنتجين السينمائيين التونسيين عندما عرض انتاج فيلم عن سيرة البوعزيزي علي عائلته وجعل بن جلون أخت البوعزيزي تختم الرواية قائلة:»هذا الرجل يتاجر بموت أخينا ليجني ثروة! يا للهول! يا للهول! حكاية محمد لا تخص أحدا؛ إنها حكاية رجل بسيط، كملايين البسطاء، والذي لفرط ما سحق وأهين، وأنكر في حياته، انتهي الي أن أصبح الشرارة التي أشعلت العالم. أبدا لن يسرق أحد موته.» ص 176
إن الضعف الذي قرأناه في هذا النص لصاحب جائزة الجونكور لا يمكن أن نرجعه إلي قضية الكتابة تحت الطلب لأن ذلك لا يمكن أن يفقر الخيال لهذه الدرجة ولا هو من سيجعل الكاتب لا يبذل أي جهد لتنزيل نصه في خصوصية المكان الذي زرع فيه جغرافيا وسياسيا واجتماعيا وانتروبولوجيا. وإنما هو نص يضرب موهبة الطاهر بن جلون في مقتل ويعصف بتاريخه الروائي ويعطي الدليل والبرهان علي قلم انتهازي بدرجة الجونكور.
ملحوظة : البوعزيزي حسب الطاهر بن جلون احرق نفسه بولاعة من نوع Bic فرنسية الصنع.
الطاهر يكتب بقلم البيك والطاهر لا يشعل سيجارته إلا بولاعة البيك والطاهر إن أراد أن يلعب الرياضة لا يرضي بغير حذاء «الكوك سبورتيف» وتي شورت الكوك وشورت الكوك والطاهر وفيا للبيك وللديك فكيف يرضي للبوعزيزي أن يشعل نفسه بغير ولاعة البيك؟ كيف يرضي للثورات العربية أن تندلع في غفلة من فرنسا؟ كيف يمكن لثورة أن تندلع بلا شعلة البيك؟
الطاهر خلافا لكل الأطفال العرب كان يعي جيدا أغنية «ديكي ديكي أنت صديقي» والطاهر أحيانا يحرّفها «بيكي بيكي انت صديقي.»
لا أحد انتبه إلي عبقرية الطفل المعجزة حتي اختطفته حضارة أخري لكن الطاهر العربي البار ظل يحرجنا كل مرة باهتمامه بنا وتخليد رموزنا وشهدائنا. كم كان الطاهر طاهرا من عروبته.
اعتمدنا الترجمة العربية للكتاب: الشرارة: انتفاضات في البلدان العربية ويليها بالنار. ترجمة حسين عمر. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.