تراودك كثير من التساؤلات قبل الدخول لمشاهدة فيلم "ولاد رزق"، الذي طرح مؤخرًا بدور العرض السينمائية، وربما يكون الأكثر إلحاحًا لديك إذا كنت تنظر لأفيش العمل"هل يمكن ل أحمد عز وعمرو يوسف تقديم أدوار البلطجية بنجاح متمردين على ملامحهم الأرستقراطية؟" إذا كنت تبحث عن إجابة هذا السؤال، فلا تتردد في الذهاب للسينما ومشاهدة الفيلم، لأنك ستجد نجوم مختلفين عن أولئك الذين تعرفهم عن حق، فالجميع يدخل في تحدٍ، يتنافس في أدائه، لا ترى أحدًا يأخذ من مساحة وكيمياء الآخر، بل يظهرون جميعًا في شكل لوحة تنسيقية مترابطة الأركان0 لكن برغم كل هذه الحالة الإبداعية لأبطالها، تصدمك أحداث الفيلم التي جاءت لا تقدم أي جديد أو ضرورة ملحة لرصدها في فيلم سينمائي، فالبلطجة هي قضية طال الحديث عنها خلال السنوات الأخيرة الماضية، وليست الأزمة في تقديمها من جديد ولكن في طريقة وشكل المعالجة التي تطرحها0 ويزيد الأمر سوءًا في التوليفة المعتادة التي أقدم عليها صناع العمل، من ظهور ليس بقليل لفتيات الليل، مع استخدام الألفاظ الجنسية بكثرة طيلة نصف أحداث الفيلم الأولى "بمناسبة أو دون مناسبة". وكل ذلك يمكن تجاوزه في حال مشاهدة قصة تنتهي بنا إلى مفاجأة غير متوقعة أو أحداث مثيرة ولكن لأن مناطق التشويق في هذا الفيلم محدودة بل تكاد تكون منعدمة، فيمكن للمشاهد أن يتوقع ما سيشاهده في بعض الأحداث. فالطريق الذي سلكه "رضا" الأخ الأكبر الذي يجسد دوره الفنان أحمد عز من الابتعاد عن طريق كسب العيش بالبلطجة والسرقة، بعد إصابة شقيقه الأصغر في أحد عينيه، واختيار الأشقاء الثلاثة الآخرين في الذهاب للعمل في تجارة المخدرات التي كان يعترض عليها الأخ الأكبر تجعل التوقعات أقرب في النصف الآخر من الأحداث التي ينتهي نصفها الأول باختطاف الشقيق الأصغر "رهينة" لدى تاجر المخدرات، بعد فشل الأشقاء من عملية تهريب بضاعته ومرورها من أحد الأكمنة، وبالتالي فالتوقعات تكون أسهل في تفكير هؤلاء في العودة للأخ الأكبر في محاولة لحل الأزمة واسترداد الشقيق الأصغر. لكن بعيدًا عن أحداث الفيلم التي لم تأت بجديد في طرح القضية، أو في خلق أجواء من المتعة، فإن من يشاهد "ولاد رزق" سيجد تحديًا كبيرًا من أبطاله، وإن كان ذكاء مخرج العمل طارق العريان في اختيار هذه التركيبات مع بعضها، وخلق أجواء من الانسجام بينهما، أدت إلى سلاسة في تأدية كل منهم دوره أمام الآخر. "رضا" تلك الشخصية التي يجسدها أحمد عز، لم يتوقف عن حدود تمرده على تغيير بعض ملامح شكله لأنه بالأمر السهل على أي فنان، بل إنها ليست من اختصاصه بالأساس "ماكيير-كوافير" وغيره. لكن النجم المعروف بجاذبيته، والذي بدأ تمرده مبكرًا على هذا الأمر منذ عزمه على تقديم دور الشاب المكافح كما في مسلسل "الأدهم"، ومشاهد الغربة التي قدمها بتمييز بما فيها من شبح الموت الذي كان يطارده بعد قيامه بمغامرة الهجرة غير الشرعية. مرورًا بلقطات بحثه عن بقايا الطعام في صناديق القمامة وغيرها مما قدمه في أدوار في أفلام "ملاكي إسكندرية"، و"المصلحة". وآخر منحه ثقلاً ووعيًا في تأديته لأدواره، يخاطب فئة جديدة من جمهوره هذه المرة "مجتمع البلطجة والعشوائيات" الذي يرصده العريان بزوايا كاميراته في مطلع الأحداث، ليرصد البعد الأخلاقي لحياة أربعة أشقاء يواجهون الحياة بعد وفاة الأب، وربما يكون ذلك الشافع الوحيد لكم الألفاظ الخارجة التي صاحبت الفيلم. عز هنا يفاجئك في توحده مع شخصية "رضا" لا تشعر أنه يمثل دورًا، بل واحد ممن يعيشون هذه الحياة بلغة جسده، وطريقة حديثه، بعشوائيته في الحياة، وفطرته في الحب التي تجعله يصل لمرحلة التملك مع حبيبته التي ينذر من يقترب إليها بانتهاء حياته. وغيرها من التفاصيل التي منحت الفنان في الجرأة على تقديم مثل هذه الأدوار، ومنافسة من سبقوه وكونوا قاعدة جماهيرية كبيرة بها مثل محمد رمضان. أما "ربيع" الذي يجسد دوره عمرو يوسف، فهو واحد ممن يعيشون في هذه الدنيا "بمبدأ الذراع" لا يعنيه الخوف، ويقرر المغامرة في دهاليز الحياة وألاعيبها حتى رغم ما تحمله من مخاطر. يجدد الفنان دماءه بتمرده على أدواره السابقة، وملامحه الشكلية التي قد تجعله أقرب إلى أدوار الارستقراطين من وجهة نظر البعض، لكن النجم يقاجىء الجمهور منذ العام الماضي بجرأته، فكما سبق واقتحم منطقة شديدة الحذر والحديث عنها في هذه المرحلة التي تتسم بكراهية الجميع للإرهاب . حيث تقديمه نموذج "الإرهابي" الذي قدمه في مسلسل "عد تنازلي"، ويكمل الفنان جرأته بتقديم لدور "البلطجي" في "ولاد رزق" بتلقائية وبساطة ولاد البلد. ولعل الأدوار التي لعبها كل من أحمد الفيشاوي، وأحمد داود في "ولاد رزق" يمثلان التحدي الأكبر في هذا العمل، فالأول يثبت تألقه من عمل إلى آخر. وكلما أقدم على تقديم دور يحاول الاقتراب من مناطق مختلفة تبتعد عن نجوم جيله في التمثيل، أو حتى ما قدمه والده الفنان الكبير فاروق الفيشاوي في مرحلته العمرية، يتقدم الفيشاوي من عمل إلى آخر. ف "عاطف" هنا في هذا الفيلم الشخصية التي تخدعك طوال الأحداث بادعائها السذاجة والعبط في خديعة لضابط الشرطة الذي تروى له حكاية "ولاد رزق"، وفي المقابل تتقابل مع شخصية الفيشاوي مع الدور الذي لعبه أحمد داود، الذي عاد للسينما بدور يتلاءم مع حجم موهبته التمثيلية التي ربما لم تساعده فيها أولى تجاربه التمثيلية فيلم "ولد وبنت". ويستكمل داود بدوره في هذا الفيلم جماهيريته التي اكتسبها بعد تألقه تحديدًا في العام الماضي في مسلسل "سجن النسا"، ويبدو أن الفنان قرر التخلي عن العمل بالدراما هذا العام، حتى يتفرغ لدوره بهذا الفيلم الذي جمع فيه بين خفة الظل والحركة السريعة. فيلم "ولاد رزق" تجربة تستحق مشاهدتها من أجل أبطالها فقط، الذين تفوقت موهبتهم واداؤهم الخاص على الأحداث المحدودة والنمطية التي يناقشها الفيلم، ويظل التجديد والفارق الوحيد في هذا العمل، هو تقديم قضية البلطجة من بطولة ومشاركة جماعية تتساوى فيها مساحة الأبطال الذين لم تفرق أحداث العمل بين قدم وحدث كل بطل منهم.