ليس غريبا على كيان قام على دماء مواطنين، انتزعت بلادهم قسرا، لإقامة وطن وهمي أن تكون الاغتيالات استراتيجية رئيسة ومكونا أساسيا لسياسته. الكيان الصهيوني على مدار تاريخه قام بعدد لا حصر له من الاغتيالات التي لم تقتصر على أبناء الوطن المنكوب فقط، لكنها امتدت لتطول كل من يهدد الكيان السرطاني الوليد. بيد أن هذه الاغتيالات لم يكن هدفها ساسة وقادة عسكريون فحسب، فلقد أدرك الكيان الصهيوني قيمة الفكر، وأهمية الكلمة وخطورتها على مشروعه الفاقد لأية شرعية سوى شرعية البارود. لذلك وجه الكيان مسدسه نحو كل مفكر أو مبدع استخدم كلماته، أو حتى رسوماته، كسلاح للمقاومة. في 8 من يوليو عام 1972 اغتيل الأديب والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني مع ابنة شقيقته، بعد أن تم تفخيخ سيارته من قبل مجهولين في بيروت. كنفاني الذي ولد عام 1936 كان أحد أبرز الصحفيين التقدميين، ورائد أدب المقاومة الفلسطيني. أعمال كنفاني التي تتصدرها "عائد إلى حيفا" و"رجال في الشمس" و"أرض البرتقال الحزين" كانت صرخة عالية للمقاومة الفلسطينية، وتعد أول الأعمال التي غاصت في قلب المخيمات واخترقت قلوب وعقول الفلسطينيين المنكوبين ورسمت أحاسيسهم وانفعالاتهم التي كتبتها دماء ذويهم. كنفاني الذي كان الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورئيس تحرير مجلة "الهدف" التي كانت لسان حال الجبهة، كان على رأس قائمة اغتيالات وضعتها جولدا مائير بعد أحداث ميونيخ، تضمنت عدة أسماء منها وديع حداد وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، وفي حين أخطأ الموساد معظمهم، تمكن من قتل كنفاني الذي هز انفجار سيارته شوارع بيروت. هذه القائمة تم وضعها بعد عمليات ميونيخ الشهيرة التي قام فيها مجموعة أعضاء جماعة أيلول الأسود، باحتجاز البعثة الرياضية الصهيونية المشاركة بأوليمبياد ميونيخ، مطالبين بالإفراج عن 236 معتقلا بالسجون الصهيونية، انتهت بمقتل 11 من الرياضيين الصهاينة، بالإضافة إلى خمسة من منفذي العملية الفلسطينيين. وقد اعترف الكيان الصهيوني رسميا للمرة الأولى في عام 2005 في بيان نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية في 3 أكتوبر، كتبه الصحفي إيتان هابر المتحدث باسم يتسحاق رابين رئيس الوزراء الأسبق، حيث قال هابر في البيان: إنه على إثر هذه العملية أصدرت جولدا مائير رئيسة الوزراء حينذاك "أمرا بالانتقام" يتضمن ما سماه بتنفيذ "أحكام بالإعدام" ضد عدد من الشخصيات الفلسطينية بالعواصم الأوروبية. لم يكن كنفاني هو الضحية الوحيدة لهذه العمليات، فملفات الموساد تكتظ بعمليات شبيهة استهدف فيها الكيان الصهيوني مفكرين ومبدعين وفنانين فلسطينيين. رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي كان أحد أهم هذه الأسماء، حيث أثار اغتياله ضجة كبيرة في الوطن العربي، وفي العالم أجمع. ناجي العلي الذي يرجح أنه ولد في 1937 كان أحد أبرز رسامي الكاريكاتير الفلسطينيين الذين جسدوا القضية الفلسطينية وكانت رسوماتهم مصدر إزعاج للكيان الصهيوني. كان ابن قرية الشجرة، الذي رحل مع أهله إلى مخيم عين الحلوة 1948 ومن يومها لم يعرف سوى الترحال، هو صاحب الشخصية الشهيرة "حنظلة" الذي يقف دائما عاقدا ذراعيه خلف ظهره، مديرا ظهره لكل من أداروا ظهورهم للقضية. العلي الذي سخر رسوماته للهجوم على الفصائل الفلسطينية المتناحرة، والأنظمة المتخاذلة، اغتيل في 22 يوليو 1987 في لندن، وبرغم أن الموساد نفى وقتذاك مسئوليته عن العملية، فإن رئيسة وزراء إنجلترا أمرت بإغلاق مكتب الموساد في لندن. وائل زعيتر الدبلوماسي والأديب الفلسطيني، كان أحد ضحايا عمليات 1972 التي نفذها الموساد. كانت خطورة زعيتر، الذي كان ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية في روما، تكمن في علاقته الوثيقة بعدد من الأدباء والفنانين، حيث كان سفيرا للقضية الفلسطينية لدى الأوساط الثقافية في أوروبا، وفي إيطاليا تحديدا. بعدها بتسع سنوات تقريبا وتحديدا في 9 أكتوبر 1981 صحت روما على تفجير قتل الصحفي والكاتب ماجد أبو شرار، بعد أن تم زرع قنبلة تحت فراشه قتلته فورا. صاحب "الخبز المر" الذي ولد في 1936 بدأ حياته رئيسا لتحرير صحيفة "فتح" اليومية التي كانت لسان حال حركة فتح، ثم أصبح بعد ذلك مسئولا عن الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية. قائمة المثقفين والكتاب الذين اغتالهم الكيان الصهيوني لا تنتهي، وستظل شاهدة على واحدة من أقذر السياسات التي عرفها التاريخ، سياسة لم تعرف سوى الدم والبارود وكاتم الصوت. لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :