شعر مينا جورج -الذي كان يعمل موظفا في فندق- بسعادة غامرة حين أطاحت انتفاضة شعبية برئيس مصر، لكن منذ أن توقف توافد السائحين بدأت هذه الفرحة تتراجع أمام الخوف واليأس. وفقد جورج وظيفته في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، ولجأ إلى الاقتراض من أصدقائه لمواجهة نفقات المعيشة. وقال جورج (33 عاما) "الثورة عظيمة لكنها مؤلمة... واجه العديد من أصدقائي أوقاتا عصيبة، مع تسريحنا من العمل بسبب ضعف النشاط." ومن أهرامات الجيزة إلى منتجعات البحر الأحمر تراجعت أعداد السياح وهو ما وجه ضربة موجعة إلى ملايين المصريين الذين يعتمدون في كسب قوتهم على ما ينفقه نحو 14 مليون سائح كانوا يزورون البلاد. وفي ذروة الانتفاضة الشعبية التي استمرت 18 يوما، وأطاحت بالرئيس حسني مبارك أصدرت السفارات تحذيرات من السفر، وألغت العديد من شركات السياحة رحلاتها وهو ما جعل القطاع الذي يعد مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية يواجه أزمة. وبعد مرور شهرين انحسرت حالة الفوضى إلى حد بعيد وعادت معظم قوات الشرطة بعد أن كانت هجرت مواقعها أثناء الاحتجاجات وتراجعت التحذيرات من السفر. لكن أعداد السائحين لم تعد حتى الآن إلي معدلاتها السابقة وتوقع وزير السياحة المصري انخفاض إيرادات القطاع في 2011 بنسبة 25 بالمائة مقارنة مع العام السابق. وقال عمر محمد سعيد (59 عاما) الذي يملك متجرا لبيع المشغولات النحاسية في خان الخليلي السوق الرئيسية في القاهرة الإسلامية "بالكاد أستطيع أن أتذكر دخول سائح واحد إلى المتجر مؤخرا." وكان سعيد يعاني بالفعل قبل الانتفاضة لأن عدد السائحين الغربيين تراجع بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. وقال إن أعلى دخل حققه في يوم واحد منذ الاحتجاجات هو ألف جنيه (168 دولارا) وأضاف أنه طلب من العاملين لديه تقليل أيام العمل لكي يتمكن من دفع أجورهم. ويقول أحمد سلامة -الذي يمتلك متجرا للهدايا التذكارية في القاهرة يوفر سبل العيش لأربع أسر- إنه يكافح لإطعام زوجته وأولاده الثلاثة من دخله الضعيف. ويضيف سلامة (36 عاما) "لم أبع شيئا منذ قيام الثورة.. طول اليوم أجلس في المحل وأشاهد التلفزيون." وعند أهرامات الجيزة -أشهر معلم سياحي في البلاد والذي يحرص الزائرون للقاهرة على مشاهدته- يندر وجود سائحين غربيين رغم أن شهر أبريل هو أحد الأشهر السياحية الرئيسية. وفي ظل قلة العملاء المحتملين يبدو أن الباعة الجائلين والمرشدين السياحيين غير المرخصين الذين ينتشرون في المعالم الشهيرة في مصر يركزون على أموال السائحين. وقالت مجموعة من السياح الألمان والفرنسيين زاروا الأهرامات مؤخرا إن شرطة السياحة اكتفت بالمشاهدة حين تتبعتهم مجموعة من الباعة حول المكان وهم يتنافسون على جذب اهتمامهم. وقال سائح ألماني يدعى اليكس "دفع أحدهم بعلبة من الشراب إلى يدي وطلب مني أن أدفع ثمنها." ومع اقتراب الصيف الحار يأمل مسئولو السياحة في حدوث انتعاشة بدءا من سبتمبر . لكن العميد محمد المقاطي الأمين العام المساعد للأمن السياحي بالجامعة العربية قال إن هذا مرهون بالوضع الأمني. وانحسرت الاضطرابات السياسية لكن لا يزال بالإمكان رؤية مركبات الجيش في بعض الشوارع وتحذر السفارات مواطنيها الآن من تزايد السرقة بالإكراه وأعمال السطو والابتزاز في مصر. وفي شرم الشيخ التي شهدت بالكاد نفحة من الاحتجاجات التي هزت العاصمة ومدنا أخرى في مصر يجلس تجار الهدايا التذكارية متجهمين أمام متاجر خاوية على جانبي ممشى خليج نعمة الذي أصبح شبه مهجور وفي السوق القديم. ولا تزال الإجراءات الأمنية مشددة في أنشط منتجع مصري على البحر الأحمر منذ وقوع سلسلة تفجيرات في 2005 أودت بحياة أكثر من 80 شخصا معظمهم مصريون. ويقوم أفراد من الشرطة وحراس أمن بدوريات في المنتجعات ويستخدمون أجهزة كشف المعادن وأجهزة لأشعة أكس على غرار تلك الموجودة في المطارات لتفتيش الوافدين. والآن يقبع مبارك -الذي حول المدينة إلى مقصد سياحي رئيسي- في مستشفى في شرم الشيخ. ويقول بعض السكان إن وجوده في المدينة أصبح عبئا. وقال جلال شعبان (33 عاما) وهو صاحب متجر "السياح يأتون إلى شرم لقضاء وقت طيب... لا يمكنك الاسترخاء في ظل وجود مبارك هنا وشبح المظاهرات يخيم على شرم." ورغم هذه الصورة القاتمة قالت هالة الخطيب الأمين العام لغرفة المنشآت الفندقية إن نسبة إشغال الفنادق على مستوى البلد بأكمله انخفضت بنسبة 15 بالمائة فقط في إبريل مقارنة مع مستوياتها قبل عام. وأضافت أن نسبة الاشغال بالفنادق في شرم الشيخ تعافت إلى 32 بالمئة بحلول منتصف ابريل من 11 بالمئة عقب اندلاع الاحتجاجات في 25 يناير . لكن هذه النسبة أقل بكثير من 75 بالمائة التي تشهدها الفنادق في المنتجع في العادة في هذا الوقت من العام. ومع هذا لا تزال هالة متفائلة وتقول إن معالم الانتفاضة -مثل ميدان التحرير في القاهرة الذي أصبحت له شهرة عالمية كساحة للاحتجاجات- أصبحت تظهر في بعض البرامج السياحية. وأضافت قائلة "الأمن يتحسن يوما بعد يوم. الناس لديهم رؤية مختلفة لمصر.. لديهم رؤية أكثر إيجابية. يريدون إدراج (ميدان) التحرير في برنامجهم .