سيظل الشيخ عمر عبد الرحمن مثيرًا للجدل، سواء فى مصر أو أمريكا، وبعد تنحى الرئيس حسنى مبارك، بدأت تتردد أنباء حول إمكانية إعادة النظر فى طلب أسرته بترحيله إلى القاهرة، استنادا إلى معلومات قالت من قبل أن النظام السابق هو الذى يرفض عودته، وقضاء عقوبته فى أحد السجون المصرية. فى ظل تحركات جديدة تقوم بها أسرة وأنصار ومحبى عبد الرحمن لتحقيق هذا الهدف، يبدو الوقوف سريعا على سيرة مسألة مهمة لفهم أبعاد قضيته وملابساتها السياسية والدينية. لم تكن الدعوة لوقفة تضامنية مع أسرة الدكتور عمر عبد الرحمن ومحبيه بعد صلاة ظهر غد (الخميس) في مسجد عمر مكرم والتوجه بمسيرة إلى السفارة الأمريكية، احتجاجا على استمرار حبسه، هى الأولى، فقد سبقها انتقاد المؤتمر الإسلامى للجماعة السلفية الذى عقد بالفيوم الأحد الماضى بمسجد أبو داود، لعدم تدخل شيخ الأزهر لدى الحكومة الأمريكية، بعد سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، من أجل الإفراج عنه. كما سبقه تظاهر المئات أمام المجلس الأعلى للقوات المسلَّحة عقب صلاة الجمعة يوم 25 مارس 2011. قد تعالت هُتافاتهم مرددين "عُمر يا عبد الرحمن.. لازم ترجع للأوطان"، "يا أوباما يا أوباما.. رجّع شيخنا بالسلامة"، مطالبين الجيش بالتدخل للإفراج عن أمير الجماعة الإسلاميَّة، الذي اعتقله الولاياتالمتحدة منذ 18 عامًا. ويقضي الآن عقوبة السجن مدى الحياة في كلورادو بأمريكا بتهمة التورط في تفجيرات نيويرك عام 1993. وفي الوقت التي تدعو فيه الجماعة الإسلامية، المجلس الأعلي للقوات المسلحة للتدخل من أجل الإفراج عن أميرها، وتناشد أسرته الرئيس باراك الإفراج عنه، بعث الشيخ عبد الرحمن نفسه بوصيته (تجاوز عمره 70 عاما وتدهورت حالته الصحية) طالب فيها جماعته بالثأر له من الولاياتالمتحدة في حالة قتله، مشيرًا إلي أنه يشعر بحالة من التربص به والتنكيل التي قد تصل لحد القتل. ولد عمر عبد الرحمن بمدينة الجمالية بالدقهلية عام 1938، فقد البصر بعد عشرة أشهر من ولادته، ثم حصل على الثانوية الأزهرية عام 1960، ثم التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة ودرس فيها حتى تخرج منها في 1965 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وكان الأول فى دفعته. تزوج الشيخ عمر من المدرسة عائشة حسن وله منها ثمانية أولاد وبنتان ومتزوج أيضاً من المهندسة فاتن شعيب وله منها ولد وبنتين، تم تعيينه في وزارة الأوقاف إمامًا لمسجد في إحدى قرى الفيوم ثم نال درجة الماجستير وحصل على الدكتوراة الفخرية بجامعة الأزهر الشريف. وكان عنوان الرسالة "موقف القرآن من خصومه" وأحدثت صدى واسعًا فى بعض الأوساط العلمية. عمل عبد الرحمن معيداً بكلية أصول الدين بجانب أنشطته الدعوية التى هزت أركان المجتمع المصرى، ودخل فى خلافات متعددة مع السلطات الرسمية، منذ اندلاع ثورة 1952 حيث تعرض للاعتقال في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ما دفعه للفتوي بعدم جواز الصلاة عليه بعد وفاته. وأوقف عن العمل في الكلية عام 1969. وفي أواخر تلك السنة رفعت عنه عقوبة الاستيداع، لكن تم نقله من الجامعة من معيد بها إلى إدارة الأزهر بدون عمل، واستمرت المضايقات على هذا الحال، حتى تم اعتقاله في 13/10/1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر بأقل من شهر. استمر المنع حتى صيف 1973 حيث استدعته الجامعة وأخبرته عن وجود وظائف شاغرة بكلية البنات وأصول الدين، واختار أسيوط، ومكث بالكلية أربع سنوات، ثم أعير إلى كلية البنات بالرياض حتى سنة 1980، عاد بعدها إلى مصر. في سبتمبر 1981 تم اعتقاله، ضمن قرارات التحفظ التى قام بها الرئيس الراحل أنور السادات، فتمكن من الهرب، حتى تم القبض عليه في أكتوبر 1981 . وتمت محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا. وحصل على البراءة وخرج من المعتقل في 2/10/1984. نظرا للتضييقات الأمنية فى مصر والتى واجهته فى الدعوة اضطر الشيخ عمر عبد الرحمن للسفر إلى الولاياتالمتحدة فى بداية التسعينييات ليقيم في ولاية نيوجرسي. استمر الشيخ عبد الرحمن على هذا المنوال، بين التضييق والمطاردة والسجون، حتى استقر به المطاف في سجون أمريكا، منذ عام 1993. بعد أن استدرجه عماد سالم - وهو عميل للأمن المصري- بأسئلة أجابه عنها بتلقائية، وذلك في جلسة خاصة سجلها له العميل. ومن ثم حُوكم بقانون لم يحاكم به أحد في أميركا منذ مائتي سنة، ورفضت المحكمة أدلة البراءة التي قدمها محاميه وزير العدل الأميركي الأسبق رمزي كلارك. وفى النهاية أدين عبد الرحمن بالسجن 350 عامًا بعد أن وجهت له المحكمة أربع تهم. هي التآمر والتحريض على قلب نظام الحكم في الولاياتالمتحدة، والتآمر والتحريض على اغتيال حسني مبارك، والتآمر على تفجير منشآت عسكرية، والتآمر والتخطيط لشن حرب مدن ضد الولاياتالمتحدة. تتأرجح المواقف الشعبية للعفو عن عمر عبد الرحمن بين التأييد والرفض، حيث إن هناك من يرى أنه شيخ فتاوي القتل وأنه أفتى بقتل السادات من قبل وبقتل المفكر فرج فودة، لكن العديد من الإسلاميين يعتبرون ذلك شائعات واتهامات جاهزة قيلت عن الشيخ من نظام مبارك. السؤال الآن.. هل من الممكن أن ينعم عمر عبد الرحمن بالحرية التي نالها كثير من المعتقلين السياسيين في مصر بعد ثورة يناير، وأن يقضي ما تبقى من عمره في وطنه؟