هل الكفار في جاهليتهم كانوا أكثر تعظيما للأشهر الحرم من الجماعات المنتسبة ظلما للإسلام؟ ولماذا لا يحفظ من يقتلون باسم الدين مكانة البيت الحرام ويعظمون شعائر الله فيقتلون غدرا وخيانة في عدد من الدول الإسلامية؟ وما الحكمة من تحريم القتال في الأشهر الحرم؟ وإذا كان الإسلام عصم النفوس والدماء وجعلها من الكليات الأساسية الخمس التي جاء بها للمحافظة عليها حفظ الدين، والنفس والعرض والمال والعقل. فالي أي الفتاوي والأحكام الفقهية تستند الجماعات التي تتستر وراء الإسلام الحنيف وتخفي أفعالها الدنيئة خلف ستار الإيمان؟ علماء الأزهر يؤكدون أن الإسلام عظم الأشهر الحرم، وحرم القتال فيها، وأن الجماعات الإسلامية التي تنسب نفسها إلي الإسلام هم خارجون علي الملة، وان عمليات القتل والاغتيالات التي تجري في العالم الإسلامي في الآونة الأخيرة، ووضع المتفجرات بين الناس لتصيب الجميع، عمل محرم، بل ويجب علي الدولة أن تقيم فيه حد الحرابة، ليرتدع هؤلاء المجرمون. وأوضح العلماء أن هذه العمليات لا يعد مرتكبيها من المجاهدين أو الملتزمين بالإسلام، وإنما هم مجرمون قتلة، يجب القصاص منهم وتحذير الشباب من خطرهم. يقول الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن الكفار في جاهليتهم كانوا يعظمون الأشهر الحرم، فيحرمون فيها القتال، كما كانوا يحفظون للبيت الحرام والأماكن المقدسة حرمتها، ثم جاء الإسلام فزاد بيت الله الحرام تعظيما ومهابة، وأكد حرمة الدماء والأموال والأعراض. وها نحن في الأشهر الحرم ابتلينا بأناس لا يرقبون في الدماء حرمة ولا عهدًا و ذمة، يقتلون غدرًا وخيانة، في الحل أم في الحرم، وقد نهي الإسلام عن كل ألوان الغدر والخيانة، فقال سبحانه وتعالي: ز وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَي سَوَاءس (الأنفال : 57) ، أي فاطرح إليهم عهدهم، وأعلمهم بانقضاء العهد الذي بينك وبينهم، ولا تأخذهم علي غرة في عهدهم. وهؤلاء الإرهابيون الذين صنعتهم الأيدي الصهيونية والاستعمارية لتحقيق أغراضها وأهدافها في السيطرة علي منطقتنا لا علاقة لهم بالدين، ولا بالإسلام، ولا بالآدمية، ولا حتي بالقيم التي حافظ عليها الكفار في جاهليتهم، مما يتطلب جهودًا كبيرة في التوجيه الديني والفكري والثقافي والتربوي من كل مؤسسات الدولة لتحصين المجتمع وبخاصة الشباب من الوقوع في براثن هؤلاء فكريا أو تنظيميا. وأضاف: إن مسيرة الإصلاح التي انطلقت في مصر لن تعطلها أو تثنينا عنها تلك العمليات التي تقوم بها الجماعات الإرهابية التي تلفظ أنفاسها، غير أننا يجب أن نعمل جميعًا متضامنين علي اجتثاث خلايا الإرهاب النائمة، وسرعة الإبلاغ عن أي عنصر يشتبه في انتمائه إلي تلك الجماعات الإرهابية. ويقول الدكتور مختار مزروق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أولا: إذا ما نظرنا إلي حياة الناس قبل بدء الإسلام نجد أنهم كانوا ينقسمون إلي قسمين، الأول: كانوا يعظمون الأشهر الحرم، وهذا ثابت في التاريخ، فإذا ما جاءت الأشهر الحرم فإنهم ينتهون عن القتال، ولكن كان هناك آخرون من المشركين لا يراعون أي حرمة، فيعملون في الناس قتلا وسلباً، وكانوا يفعلون ما يسمي بالنسيء، وهو أنهم كانوا يؤخرون حرمة بعض الأشهر الحرم لينالوا من الناس قتلا وسلبا، فحرم الله ذلك، وقال تعالي في كتابه: (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما...) ثم جاء الإسلام فنهي عن ذلك، وحرم القتال في الأشهر الحرم، حسبما جاء في كتاب الله عز وجل (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم) وعلي هذا فإن الإسلام يحرم القتال في الأشهر الحرم، إلا إذا اعتدي علي المسلمين، فإنه يجب عليهم أن يردوا العدوان، ولا ينتظروا إلي انتهاء الأشهر الحرم، أما مسألة القتل والاغتيالات التي تجري في العالم الإسلامي في الآونة الأخيرة، ووضع المتفجرات بين الناس لتصيب الجميع، فإن هذا عمل محرم، بل وعمل يجب علي الدولة أن تقيم فيه حد الحرابة، ليرتدع هؤلاء المجرمون، ثم إن هذه العمليات لا نعد أصحابها من المجاهدين أو الملتزمين بالإسلام، وإنما يجب أن نسميهم بأسمائهم، فهم مجرمون قتلة. ويشير إلي أن الحكمة من تحريم القتال في الأشهر الحرم، كانت ليتعود الناس علي السلم، وعدم القتال، وهذا ما يدعو إليه الإسلام، لأن الإسلام دين سلام، وليس دين حرب، وهو دين الصفح والعفو وما إلي ذلك، وأدلة ذلك من القرآن الكريم كثيرة، فقوله تعالي: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) كما عظم الله سبحانه وتعالي العفو والصفح عن مقابلة العقوبة بالعقوبة، فقال تعالي (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) ثم بقي هذا التحريم إلي قيام الساعة. من جانبه أوضح الدكتور أحمد حسين، وكيل كلية الدعوة الإسلامية، أن الإسلام عصم النفوس والدماء، وجعل من الكليات الأساسية الخمس التي جاء بها للمحافظة عليها حفظ الدين، والنفس والعرض والمال والعقل، وهي الكليات الخمس، قال تعالي: (وماكان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطاً) فلا يمكن لإنسان آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا لا يمكنه بحال أن تمتد يده إلي من حوله من الناس إلا عن طريق الخطأ، فالعمدية في سفك الدماء، غير واردة في الإسلام، وفي عرف المؤمنين، أما هذه الجماعات التي تتستر وراء الإسلام الحنيف، وتخفي أفعالها الدنيئة خلف ستار الإيمان، فهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ومن المصحف إلا رسمه، وهم أبعد ما يكون عن هديه وأخلاقه، التي تدعو إلي الحب والمسامحة وتقر الأمن والسلام وتحافظ علي الدماء والأموال والأعراض ولا أدل علي هذا من سيرة المعصوم صلي الله عليه وسلم، الذي ما رفع سيفا في وجه أحد إلا دفاعا عن نفسه، وحماية للمجتمع، وتأمينا لمن فيه، وقد قالها صراحة وهو ذاهب في صلح الحديبية، ينادي قريشا ويقول (يا ويح قريش ماذا عليهم لو خلوا بينهم وبين سائر العرب.. إلي أن قال: والله لا تدعوني قريش إلي خطة يعظمون فيها الرحم إلا أجبتهم إليها) وهذا تحاشيا منه صلي الله عليه وسلم، لإراقة الدماء وضياع الأنفس والأسر والبيوت. وأضاف: إن بنود صلح الحديبية جاءت في معظمها مجحفة وظالمة للنبي، صلي الله عليه وسلم، ومن معه، ومع ذلك قبلها ورضي بها، إقرارا منه صلي الله عليه وسلم، بحرمة الدماء، وتعظيما لأهمية شيوع السلم والأمن في المجتمع، وجاءت تعاليمه صلي الله عليه وسلم، في آخر بيان للناس في حجة الوداع، (أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) وهذا يؤكد أن الذين يخرجون علينا الآن يروعون الآمنين ويسفكون الدماء المعصومة ليسوا من الإسلام في شئ، والإسلام منهم براء، وجاءت هذه الأشهر الحرم بمثابة تأمين إجباري يضع فيه الناس سلاحهم ويعطون فرصة للعقول والأفكار أن تجد حلا لمشاكلهم بعيدا عن مقارعة السيوف ودقات طبول الحروب، فكان لزاما عليهم في الجاهلية أن يضعوا أسلحتهم في الأشهر الحرم، وجاء الإسلام وأقر هذا المبدأ، وجعل للأشهر الحرم مكانة أكبر مما كانت عليه في الجاهلية، وهذا يؤكد حرص الإسلام علي إقرار السلم والبعد عن القتل وإراقة الدماء، وما كان الدين في يوم من الأيام وسيلة لترويع الآمنين، وإنما هو واحة أمن وطمأنينة، فقال تعالي: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فالإسلام مصدر سلم، والإيمان مصدر أمن، واليقين مصدر طمأنينة، فكيف نحول ذلك كله باسم الدين إلي ما نراه الآن في واقعنا المعاصر، إن هذا لظلم كبير للإسلام ولرسالته السمحاء، ولتعاليمه السامية، ويقول النبي، صلي الله عليه وسلم (كل المسلم علي المسلم حرام، دمه وماله وعرضه). ويضيف، أما عن عدم تعظيم هؤلاء للبيت الحرام، ورفع الشعارات السياسية في أثناء أداء مناسك الحج، فهؤلاء يصنعون كما صنع أولئك الخوارج الذين خرجوا علي أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، فحكموا عليه بالكفر، وهو أبو الحسنين، وزوج الزهراء، وحبيب النبي، صلي الله عليه وسلم، والتكفير يترتب عليه التفجير، فبعد أن حكموا بالكفر علي سيدنا علي، قاموا بقتله، فهل بعد ذلك نطلب منهم أن يعظموا بيت الله الحرام أو الشهر الحرام.