عاد الإسرائيليون الذين يعيشون بالقرب من حدود غزة بحذر إلى ديارهم، بعد فرارهم من قذائف الهاون والصواريخ خلال حرب دامت سبعة أسابيع، لكنهم غاضبون من الحكومة ويخشون إن آجلا أو عاجلا ستصبح قراهم ثانية عرضة للقصف. وقد أوقفت هدنة إلى أجل غير مسمى تم التوصل إليها قبل تسعة أيام أشد المعارك فتكا في عشرة أعوام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي حرب كان سكان جنوب إسرائيل يأملون أن تضع نهائيا حدا لهجمات استمرت سنوات بين الحين والآخر بقذائف الهاون والصواريخ يشنها النشطاء في قطاع غزة الذي تهيمن عليه حركة المقاومة الإسلامية حماس. غير أن القرى الحدودية تشعر بالسخط الشديد مع أنها تشيد بما قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه ضربة لم يسبق لها مثيل لحماس فإنه قال بعد الهدنة إن من السابق لأوانه معرفة هل سيعمر الهدوء طويلا. وقال راز شميلوفيتش -وهو أب عمره 38 عاما لثلاثة- من مستوطنة نتيف هاسارا الزراعية "دخلنا الحرب وقتل جنودنا ومدنيونا. وتعرضنا لأضرار فادحة في اقتصادنا وصورتنا وقتلنا مئات الفلسطينيين فأين نحن اليوم؟ نفس المكان الذي كنا فيه قبل ثلاثة أشهر". وأضاف قوله "إنها أنجزت القليل جدا وجاءت متأخرة جدا". وتقول وزارة الصحة الفلسطينية إن أكثر من 2100 شخص في غزة كثير منهم مدنيون قتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي. وقالت إسرائيل إنها فقدت 67 جنديا. وقتل ستة مدنيين أحدهم في نتيف هاسارا أيضا في الجانب الإسرائيلي. وخلال الصراع انهمرت قذائف الهاون التي لم تكن تستطيع منظومة القبة الحديدة المضادة للصواريخ اعتراضها على القرى الزراعية التي تضم في العادة نحو 200 أسرة. واستخدمت الأنفاق التي حفرتها حماس أسفل الحدود في نصب كمائن. وبدأ نزوح من المنطقة تاركا البلدات والقرى شبه مهجورة. وقال شميلوفيتش إنه أرسل زوجته وأطفاله الثلاثة بعيدا خلال القتال. وتقول إسرائيل إنها دمرت أنفاق التسلل التي كانت تعرفها أو أكثر من 30 في المئة منها لكن شميلوفيتش شأنه شأن كثيرين آخرين لا يشعر بالطمأنينة. وقال "أحمل سلاحي طوال الوقت. وفي الليل نوصد الباب والنوافذ. لم نكن نسمع من قبل بإغلاق الأبواب في قريتنا". غصن الزيتون وصناديق الذخيرة تبعد نتيف هاسارا بضع مئات الأمتار من السياج الحدودي لغزة. ويقف جدار خرساني ضد نيران القنص في مواجهة القطاع وعليه لوحة مرسوم عليها حمامة بيضاء على غصن زيتون. وبجوارها كتب البعض "الطريق إلى السلام بالعبرية والعربية والانجليزية." وعلى امتداد الطريق تتناثر على الأرض الرملية كومة من صناديق الذخيرة الفارغة وأغلفة الصواريخ التي خلفها الجنود الإسرائيليون خلال الصراع الأخير. شنت إسرائيل هجومها على غزة في الثامن من يوليو تموز بهدف معلن هو منع إطلاق الصواريخ الفلسطينية على أراضيها لكن البعض يشعرون أنهم لم يفعلوا ما فيه الكفاية لتدمير القدرات العسكرية لحركة حماس. ومعظم القتلى المدنيين في إسرائيل لقوا حتفهم بقذائف الهاون. وعلى خلاف الصواريخ الأطول مدى التي وصلت إلى عمق إسرائيل فإن قذائف الهاون لا تمنح المرء سوى 15 ثانية للبحث عن ملجأ يحتمي به. وقبل أيام قليلة من موافقة إسرائيل وحماس على الهدنة قتل طفل عمره أربعة أعوام في كيبوتز ناحال عوز بقذيفة هاون. وخارج روضة الأطفال الخالية للكيبوتز الذي يحيط به جدار خرساني جديد طوله ثلاثة أمتار لحماية الأطفال من الصواريخ كانت تجلس يانينا بارنيا -وهي أم لطفلين- وقالت إنه لم يكن سهلا عليها العودة. وقالت "لا أحد يشعر بأن الأمر انتهى. ولذا من الصعب علينا العودة إلى ديارنا وأود من الحكومة أن تحمل محادثات الهدنة على محمل الجد فأنا متشككة. والحل ليس حلا عسكريا." وتلقى القرى الحدودية تغطية متعاطفة من وسائل الإعلام الإسرائيلية وقد يكون لانتقاداتها انعكاسات على نتنياهو الذي كانت حملته الانتخابية في وقت من الأوقات تحت شعار "نتنياهو - القوي في مواجهة حماس." وحينما أعلنت الهدنة هوت شعبيته. وتعتقد هيلا إيبو -وهي امرأة عمرها 46 عاما من كيبوتز نير عام- أنه إن آجلا أو عاجلا سيتفجر العنف مرة أخرى. وقالت "الهدوء مؤقت. ولم يتغير شيء".