أيام كثيرة أنتظرنا فيها عرض العمل الأضخم إنتاجياً على مستوى الوطن العربي، خصوصاً وأن حملة الدعاية له بدأت منذ ديسمبر الماضي مما كان يبشر بأننا سنري عملاً مختلفاً ومميزاً نستطيع من خلاله رؤية أحداث لم يحالفنا الحظ لمعايشتها في ذلك الزمن البعيد. "سرايا عابدين" العمل الذي مرت نصف أحداثه، فاق كل التوقعات التي وضعها الكثيرون له، فالعمل جاء أبعد مما يمكن أن يرصده التاريخ أو يرسمه الخيال بحسب ما يدافع صناع العمل معها، ويأكدوا أنهم يرصدوا عمل تاريخي وليس وثائقي لكي يلتزموا بالنص المكتوب في التاريخ. وإذا كان "الخيال" في أحداث "سرايا عابدين" هي الحجة التي يدافع عنها صناع العمل بعد سيل الهجوم الذي لاقوه، رغم أن تتر العمل يحمل إدانة أكبر لهم لأنه يوضع فيه عبارة أن العمل "مستوحي من قصة حقيقية"، وهو ما يعني ضرورة الالتزام بأحداث التاريخ مع إمكانية وجود بعض التفاصيل الصغيرة، وإذا كان المشاهد من الممكن ألا يقف عند مسألة تأريخ إنشاء سرايا عابدين الذي جاء مغالطاً في الأحداث، فأنه لن يقبل التهاون والاستخفاف بعقله في كثير من الأمور. بدأت أحداث الحلقة الأولى من العمل ترصد الاحتفال بعيد ميلاد الخديوي، وهو الحدث الذي مكث 3 حلقات يظهر من خلاله فريق العمل مدي الابهار وحياة القصور الذي كان يعيش فيه هؤلاء، ورغم التطويل في الحدث إلا أن الجميع صبر على الأمر أملاً في أن تلاقي الحلقات التالية استحسانه عند الجمهور، لكن خاب الظن وجاءت الأحداث أضعف مما يمكن أن يحمله عمل تاريخي بالتأكيد أنه يشوه أكثر مما يعرف أو يجمل هذه الحقبة. خيال المؤلفة الكويتية هبة مشاري جعلها تحول العمل إلى قصص غرامية بل "جنسية" على حد الأقرب في وصفه، متناسية فيها عظمة وتاريخ هذا الرجل الذي صنع حضارة مصر استكمالاً لتاريخه جده محمد علي صاحب النهضة الحقيقة للبلاد، فجميع الأحداث جاءت تعبر عن علاقات الخديوي الجنسية مع زوجاته أو الجواري بشكل مباشر وصريح. التشويه الذي حدث في "سرايا عابدين" يفوق الخيال، فبجانب التركيز على عاطفة الخديوي، جاءت شخصيات النساء في السرايا أكثر تشويهاً فجميعهم بداية من الأميرات وحتى الخادمات والجواري يمارسون الجنس بين جدران السرايا، بل أن الأكثر دهشة من ذلك صورة الأم التي ظهرت في الأحداث تراقب تصرفات جميع سيدات السرايا رغم أن ما قيل في المؤتمر الصحفي للعمل قبل اطلاقه أنها ستكون المرأة القوية التي تقف وراء الخديوي للحفاظ على السلطة. ومن بين مشاهد الأم ما فعلته مع زوجة ابنها عندما أرادت ترك السرايا حيث أغلقت عليها باب الحمام وعندما خرجت ظلت تعايرها وتقول لها أنها إذا أرادت الخروج من السرايا فتخرج دون ملابس لأن ابنها هو الذي أحضرها لها، في مشهد يشبه "الطبقات الشعبية في وصلة المعايرة التي قامت بها والدة الخديوي التي تجسد دورها الفنانة يسرا". يستمر الاندهاش مع شخصية "شفق" حرم الخديوي التي تحضر سيدة لفك الأعمال للسرايا من أجل تحسين حياتها مع الخديوي، فتقوم بحرق المنزل بعد أن يوضع الحجاب في النار، وهو شىء يفوق التوقعات أن تقوم به حرم خديوي وداخل حرم القصر أيضاً. هذا بجانب ظهور غادة عادل وهي تمسك ب "الأرجيلة" وتشربها في أحد المشاهد، وهي إحدى الجواري الموجودة بالقصر، والتى تخطط للاستحواذ بالخديوي لنفسها حتي أنها تختبيء في دولاب ملابسه لكي تجبره على قضاء ليلته معها، بالإضافة إلى مشاهدها مع الدكتور في بداية الحلقات والتي طلبت منه أن يحفظ سرها ويحميها لكي تكون واحدة من جواري الخديوي، حيث أكد لها أنه سيعيدها "بنت" رغم عدم ظهور مثل هذه العمليات في هذا الوقت. كل هذا الخيال يحمله مسلسل "سرايا عابدين" الذي لم يشير من قريب أو بعيد إلى ذكاء الرجل في نهضة مصر وتاريخها الحديث، يظهره فقط في كونه رجل يلهث وراءإقامة علاقات نسائية، ولا يشغل باله سوى ذلك، وإن كان ما تريده المؤلفة هو تقديم نوع من الخيال في الأحداث فكان من الممكن أن تلجأ إلى أي شخصية من المماليك بعيداً عن تشويه التاريخ والنقد.