"فتش عن الغاز".. مقولة تحسم الصراع الدائر حاليًا في الأزمة الأوكرانية، فبعد فرض الولاياتالمتحدةالأمريكية عقوبات على الشركات الروسية باتت واشنطن المستفيد الوحيد، على عكس أوروبا التي تعتمد في المقام الأول على الغاز والبترول الروسي لتمويل احتياجاتها الصناعية والتي باتت في مأزق. وتعتبر روسيا أكبر منتج للنفط وللغاز الطبيعي بأوروبا، وهي صاحبة أكبر احتياطي مثبت للنفط في أوروبا، وأكبر احتياطي للغاز الطبيعي بالعالم، كما تصدر موسكو حاليًا نحو 7 ملايين برميل يوميًا كما تزود دول الاتحاد الأوروبي بالغاز إذ لاتتجاوز الأخيرة 5% من احتياطيات الدب الروسي من الغاز. وحذرت رابطة المصدرين الألمان، أكبر رابطة تجارية بألمانيا، من أن 6200 شركة بالبلاد لها معاملات مع روسيا ستتعرض لخسائر باهظة، حيث سترتفع أسعار الطاقة حال امتداد أجل الأزمة، لافتة إلى ان أوروبا تستورد أكثر من 30% من استهلاكها من النفط والغاز من روسيا التي تصدر حوالي 1.5 مليون برميل يوميًا من البترول لألمانيا وهولندا وفرنسا وإيطاليا. في ذات السياق، قالت التشيكك، إنها هي وحكومات بولندا والمجر وسلوفاكيا، طلبت من الكونجرس الأمريكي تيسير استيراد الغاز الطبيعي من الولاياتالمتحدة لتقليص الاعتماد على الإمدادات الروسية، لتفادي ما أسمته ب"استغلال" موسكو سيطرتها على إمدادات الغاز والنفط لممارسة ضغوط سياسية عليها. وأوضحت وزارة الخارجية الروسية، أن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على 12 روسياوأوكرانيا، الجمعة، بسبب القرم "انفصال عن الواقع"، مضيفة أن موسكو تأمل أن يساعد قرار إرسال بعثة مراقبة تابعة لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا إلى أوكرانيا في حل ما وصفها البيان "بأزمة داخلية أوكرانية". وفرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الخميس الماضي، عقوبات على مسئولين روس، وكذلك على بنك روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، إلا أن البنك المركزي الروسي قال إنه "مستعد لدعم البنك، مضيفًا أن "الإجراءات الأمريكية ليس لها تأثير كبير على الاستقرار المالي للبنك"، فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف متحدثاً في إجتماع لمجلس الأمن القومي أن "روسيا مستعدة لفرض تدابير للرد على الولاياتالمتحدة". وتراجعت البورصة الروسية بعد تلك العقوبات وسط توقعات بتأثر بعض الشركات الأوروبية من تلك العقوبات من بينها شركة "توتال" الفرنسية التي تمتلك 16% من شركة "نوفاتيك"، أكبر شركة مستقلة تنتج الغاز في روسيا. وبينما تعد الولاياتالمتحدة حالياً أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، بسبب التوسع في إنتاج الغاز الصخري، تمكتط روسيا وتركمانستان من الغاز الطبيعي مجتمعة أكثر من ربع الاحتياطي العالمي المثبت للغاز الطبيعي. وحاولت قطر الدخول على خط الأزمة، قائلة إنها قامت باستثمارات ضخمة في مجموعة كبيرة من الصناعات الاوروبية، مضيفة على لسان رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية القطري عبدالله بن حمد العطية، أن الدوحة ستواصل دعم الاقتصادات الاوروبية بتزويدها بالغاز الطبيعي المسال وبتطوير العلاقات الاقتصادية معها. وبعد ساعات فقط من فرض العقوبات الاقتصادية، سارعت مؤسسة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني لتغيير توقعها الائتماني للاقتصاد الروسي من مستقر إلى سلبي، قائلة إنه يتعرض للتهديد بسبب العقوبات الغربية نتيجة لسعي روسيا لضم شبه جزيرة القرم، كما أعلنت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني خفض آفاق روسيا من "مستقرة" إلى سلبية. ووضعت الحكومة البريطانية وثيقة تضم مجموعة من الخيارات أمام أوروبا لتعزيز أمن الطاقة والحد من الاعتماد على الإمدادات الروسية، تضمن تكثيف جهود البحث عن سبل لشحن الغاز العراقي إلى أوروبا وتطوير التعاون مع شركاء استراتيجيين آخرين، بجانب أن تدرس محادثات الطاقة الأوروبية - الأمريكية سبل البدء في تصدير الغاز من الولاياتالمتحدة إلى الاتحاد الأوروبي وبحث كيفية إدراج ذلك في مباحثات التجارة عبر الأطلسي. كان صندوق النقد الدولي قد خفض مع اشتعال الأزمة الأوكرانية وقبل تدخل روسيا في القرم توقعاته لنمو الاقتصاد الروسي العام المقبل، للمرة الثانية خلال 2013، ليبلغ معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا خلال العام المقبل من 3% إلى 2%. ويعد "بنك روسيا" أحد البنوك التي تأثرت بالقرار، حيث تبلغ قيمة أصوله 12 مليار دولار، إلا أن نائب وزير المالية الروسي أليكسي مويسيف، لا يرى أي تأثير لحظي للعقوبات المفروضة على القطاع المالي أو الائتماني في روسيا. كانت روسيا الاتحادية قد تجاوزت في العام 2012 جميع دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها ألمانيا التي تشغل المرتبة السادسة بين اقتصادات العالم في مؤشر الناتج الإجمالي المحلي الخاص بالبنك الدولي، وسط توقعات باستمرار تحسن ترتيبها قبل انضمامها إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المقرر في العام 2015 وقالت هيئة الإحصاء الاتحادية الروسية إن حجم التجارة الخارجية الروسية بلغ 6 .867 مليار دولار في العام الماضي 2013 ، مشيرة إلى أن حجم الصادرات الروسية وصل إلى 3 .523 مليار دولار عام 2013، بينما وصل فائض الميزان التجاري عام 2013 إلى 179 مليار دولار وتشكل صادرات النفط والغاز الروسي الى الاتحاد الأوروبي أكثر من نصف إيرادات الميزانية الروسية والتي أقرها البرلمان الاتحادي الروسي بمجلسيه الدوما والاتحاد، الموازنة الفيدرالية للعام، 2013 بعجز بلغ 7 .16 مليار دولار، وهو ما يعادل 8 .0% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ حجمه 66 تريليونًا و515 مليار روبل. وحققت الموازنة الروسية عجزًا لأول مرة منذ 10 سنوات في عام 2009 بسبب تراجع الصادرات الروسية من المواد الخام، إلا أن هذه الأرقام لاتكاد تذكر حين مقارنتها بعجز الميزانية الأمريكية للسنة المالية 2013 والذي بلغ 680 مليار دولار، بينما يتجاوز الدين العام في الولاياتالمتحدة حاجز ال 16 تريليون دولار وفقا لما أعلنته وزارة الخزانة الأمريكية. وتعاني الولاياتالمتحدة أيضًا من تراجع ترتيبها التجاري، بعد احتلال بكين أكبر دولة في تجارة السلع على مستوى العالم العام الماضي بقيمة بلغت 4.16 تريليون دولار بارتفاع نسبته 7.6% عن عام 2012. ومن المتوقع، حال استمرار الأزمة الأوكرانية أن تكون الولاياتالمتحدة أول المستفيد بتصدير الغاز الصخري الذي تحتل المرتبة الأولى في إنتاجه والضعط على روسيا التي تعتمد على تصدير الغاز والبترول لأوروبا كمصدر رئيسي لموازنتها العامة، كما ستدفع أوروبا الثمن إلى حين تحديد الأليات التي يمكن من خلالها توصيل غاز العام سام.