الرقة والأنوثة الناعمة قد لا تجدها إلا عند رؤيتك لهذه الفنانة ومشاهدتك لأعمالها، تلك المرأة التي أمتعت جمهورها ومحبيها بباقة من الأدوار التي اختارتها بعناية على مدار مشوارها الفني، وشاءت الأقدار أن ترحل عن دنيانا في ديسمبر الماضي. زهرة العلا واحدة من فنانات الزمن الجميل التى افتقدها جمهورها منذ فترة قصيرة، ولا يمكن أن يمر عيد الأم لهذا العام دون أن نقدم لها لمسة وفاء تقديراً لها بعد رحيلها. المخرجة منال الصيفي ابنة النجمة الراحلة، تتحدث ل "بوابة الأهرام" عن زهرة العلا الأم، التى يتعرف الجمهور عليها لأول مرة من خلال السطور التالية.. في البداية تحدثت منال عن فقدان والدتها في أول عيد للأم يحل دون وجودها، وتذكرت آخر الكلمات التى أوصتها بها الراحلة. "أفتقدتك كثيراً يا أمى ..وافتقدت كل شىء حلو منك، ومثل هذا الوقت من كل عام كنت أخطط كيف سأحتفل بكِ، وماذا سأشتري لكِ..ربنا يرحمك ويجعل مثواك الجنة، وأتمنى من جميع محبيها أن يطلبوا لها الرحمة والمغفرة في عيد الأم. أمى كانت دائماً تمنحنا الهدايا التى كنا نشتريها لها، وكانت جملتها الشهيرة خديها أنتى لايقة أكتر عليكي، وفي أعياد الأم الأخيرة أحضرت لها غويشة ذهب قامت بتلبيسها لأبنتى الصغيرة مريم، وأتذكر أن أول هدية قمت بشرائها لها بعد أول راتب لى كانت شال وسلسلة ذهب. أكثر ما كان يغضب أمى هو الكذب وكانت تعاقبنا كثيراً عليه، لدرجة أنها كانت ممكن تكسر أمشاط على أرجلنا لو حصل وكذبنا عليها في حاجة، هذا بالإضافة إلى أنها كانت أم محافظة في تربيتها لنا فكانت تضربنا مثلاً إذا حدث وقمنا بتفويت فرض في الصلاة، ولحد آخر يوم في عمرها كانت تسألنى أين ذهبتى، ولماذا تأخرتي، ولم تسمح لى أن أبات خارج المنزل عند شقيقتى مثلاً، ولكن في النهاية أفخر بتربيتها لي، وأتعامل بنفس أسلوبها في تربية ابنائي مريم وويوسف، وبرغم صعوبة هذه الطريقة مع هذا الجيل إلا أن الفارق هنا أننى أسمح لهم بالنقاش معي. انا وأختى وشقيقي كنا أهم الأولويات في حياة زهرة العلا، وكانت سيدة "بيتوتية" لا تعرف السهر، أو الخروج إلا إذا كان في إطار عائلي، حتى أنها اثناء تصوير أعمالها كانت تظل تحدثنا في التليفون بين الحين والآخر لتعرف ماذا فعلنا بواجبتنا المدرسية، وماذا ذاكرنا، وفي بعض الأحيان أثناء الأجازات كانت تأخذنا معها التصوير، وإن لم يكن هناك فرصة للسفر إذا كانت مشغولة في التصوير كانت تحجز لنا إقامة أنا وأخواتى في أحد الفنادق كنوع من التغيير لكن لم يكن مسموح لنا أن نسافر بمفردنا..وتضحك أنا معرفتش الخروج غير لما دخلت المعهد، وفي مرة كنت ذاهبة لكورس الإنجليزي وتم الغاؤه فقررت أذهب إلى صديقتى وكان معى سيارتى الخاصة لكنى توهت في الطريق وحدثتها في التليفون، وعند عودتي للمنزل ضربتني علقة". تستكمل منال الصيفي ذكرياتها مع والدتها..وتقول: "أمى كانت ست بيت شاطرة جداً وكنت بحب أكل من إيدها كل الأكلات بس أكثر حاجتين كنت بحبهم المكرونة بالبشاميل، والممبار. ظل بيننا خلاف كبير بسبب رفضها عملى في الوسط الفني، ووالدى المخرج الراحل محمود الصيفي هو الذي كان يقف في خلافتنا، لكونها لم تكن تقبل التأخير عن المنزل أو البيات خارجه، ولكن قبل وفاة والدي أوصاه بي وتصلحت علاقتنا بعد فترة طويلة، وأتذكر أنه عند عرض فيلمى "منتهى اللذة" ظلت تحضنى وتقبلني من فرحتها بي. كنا معاً طوال الوقت، حتى اللحظات الأخيرة من حياتها حيث كانت تعيش معي بالمنزل، وأكثر ما كانت تحرص عليه هو الصلاة في مواعيدها منذ أيام عملها بالفن، واتذكر أنها عندما كانت تضع طلاء الأظافر على يديها كانت تزيله مع كل فرض تؤديه، هذا بالإضافة إلى قراءتها القراءن ومصحف جدي محمود الصيفي الذى لم تتركه طوال أيام الأخيرة. عندما قررت ترك الفن، كان بكامل إرادتها وحدث ذلك بعد وصول أول حفيد لها من أختي الكبيرة، حيث كان حاصلاً على كل اهتماماتها واتذكر أنه مثلاً في حفل عيد ميلاده كانت تحضر له كل أغراضه من أمريكا، وفي السنوات الأخيرة كنا نتحدث في أوضاع الفن على خفيف لكن أكثر الممثلات التى كانت تحبها حنان ترك، وهى الوحيدة التى وقفت عليها في غصلها، أما أصدقائها في الوسط الفني كانوا قليلين، منهم نجلاء فتحي، وهند رستم. لم تكن والدتي شخصية إجتماعية فقد كان بيتها وأولادها هما كل شىء في حياتها، حتى تكريماتها كانت تذهب إليها بالعافية، أما تفكيري في تقديم قصة حياتها يعود إلى امتلائها بالكثير من الأحداث الإنسانية التى تستحق الحديث عنها وهو الجانب الذي أركز عليه أكثر من الفن في العمل الذي أقدمه لها، وأنا حالياً في مرحلة تجميع المادة، وأرى أن غادة عادل هى الأنسب لتأدية هذا الدور لأنها بها أشياء تشبهها. وأتذكر عندما كنت أقول لأمى أنا هعمل قصة حياتك عمل فنى كانت تضحك كثيراً وتصمت. الوصية الأخيرة لها كانت بتوصيني على "ماما دادا" وهى السيدة التى قامت بتربيتى أنا وأخواتى، وكنت أضحك وأقول لها "لا أنا هغيرها مبقتش عاجبني"، فقالت لي "لا هي ملهاش غيرك"، وهنا استوقفتنى كلمتها كثيراً، وظللت في هذا اليوم أجلس بجوارها على السرير ساعتين وكانت توصينى بالأهتمام ببيتى وأولادي مريم ويوسف، وخصوصاً ابنتي وقالت لى "أوعي تزعليها علشان أنا بحبها".