تزامنت زيارة وزير الخارجية نبيل فهمي لنيويورك لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع مجموعة من الجهود المصرية، الرسمية وغير الرسمية، بهدف التأثير على توجهات بعض الدوائر الأمريكية بخصوص ما يجري في مصر منذ 30 يونيو، للحصول على دعم أمريكي لخارطة الطريق. وقد يكون أحد تأثيرات هذه الجهود هو حديث باراك أوباما في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن أن الحكومة الحالية استجابت إلى "رغبة الملايين المصريين الذين رأوا أن الثورة سارت في منعطف خاطيء"، وهو ما يعد تغيرا مهما في الموقف الأمريكي من الحكومة الانتقالية في مصر. -أبعاد التحرك المصري: شهدت واشنطن ونيويورك عدة تحركات رسمية وأخرى غير رسمية، هدفت لطرح بعد آخر لما يجري في مصر، من خلال توفير روايات أخرى عما حدث وعما يحدث، وعن طريق، التركيز على المستقبل وخارطة الطريق في مصر. فعلى المستوى الرسمي، أكد نبيل فهمي في كلمته في الأممالمتحدة أهمية دعم خارطة الطريق التي تؤسس لمستقبل مصر، وأن الهدف منها هو استعادة الديمقراطية، وأنه سوف يتم تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الربيع المقبل. وقد صاحب ذلك قيام فهمي بعدة لقاءات مع مسئولين أمريكيين، ومنهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وتشير مصادر إلى أن كيري حث فهمي على دفع عملية الانتقالية، وتجنب الحديث عن ضرورة إطلاق سراح محمد مرسي، كما التقى مع مفوضية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون، التي أعلنت عن تخطيطها لزيارة مصر خلال الفترة المقبلة، لدعم الحوار الوطني. إلى جانب ذلك، كان ظهور فهمي على قناة سي إن إن بعد كلمة باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كاشفا عن أن التزام مصر بخارطة الطريق ليس له علاقة بالتزام واشنطن بالمعونات التي تقدمها لمصر، وأن المسألة مرتبطة بما يريده الشعب المصري. بالإضافة إلى ذلك، التقى مستشار الرئيس عدلي للشئون الإستراتيجية مصطفى حجازي مع المذيعة الأمريكية من أصل إيراني كريستيان أمانبور في برنامجها على قناة سي ان ان، ورغم أهمية هذا اللقاء من حيث توقيته، إلا أن أسئلة أمانبور تكشف عن أن هناك مخاوف أمريكية من العملية السياسية في مصر، ورغبة في رؤية أي تقدم في تنفيذ خارطة الطريق، وفي التعامل مع ما هو "مسكوت عنه" في وسائل الإعلام المصرية، حتى على مستوى الخطاب السياسي، خاصة ما يتعلق بالحقوق والحريات، ويبدو أن إجابات حجازي، لم تكن مقنعة بما فيه الكفاية، ولكنها كانت مهمة في توضيح الصورة. وعلى المستوى غير الرسمي، ينشط المصريون في واشنطن، في تنظيم عدد من المسيرات والمظاهرات احتجاجا على سياسات الإدارة الأمريكية الداعمة للأخوان المسلمين في مصر، منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة، والتي تسير عادة حول البيت الأبيض والسفارة المصرية في واشنطن، وأمام مجلس العلاقات الاسلامية-الامريكية في واشنطن (كير)، والذي يعد "سفارة الإخوان" في واشنطن ، وبعضها يجوب حول مقر صحيفة الواشنطن بوست اعتراضا على السياسات التحريرية الخاصة بتغطية ما يجري في مصر. وأثناء إلقاء فهمي لكلمته في الجمعية العامة، تحول محيط مقر الأممالمتحدة إلى منطقة تنافس بين مؤيدي الحكومة الانتقالية في مصر، وبين مؤيدي مرسي، حيث نظم كل من الفريقين مسيرات ووقفات، وهو ما دفع قوات الأمن الأمريكية للتواجد للتعامل مع أي احتمال لتصاعد الموقف بين الجانبين. إلى جانب ذلك، شارك عدد من الأكاديميين المصريين والسياسيين الداعمين لخارطة الطريق في عدة فعاليات، استضافتها عدة مراكز بحثية في واشنطن، منها مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط في جامعة براندايس، إلى جانب عدد من الجهود التي يقوم بها جماعات شبابية في التواصل مع أعضاء الكونغرس الأمريكي من أجل طرح أبعاد أخرى لما يجري في مصر، والتي عادة ما تضيع بين الانطباعات العامة. -"العلاقة البناءة" مع مصر: لاتزال واشنطن لديها تحفظات على مسار الحكومة الانتقالية في مصر، خاصة ما يتعلق منها بمستقبل جماعة الإخوان المسلمين، ودورهم في خارطة الطريق، خاصة بعد صدور الحكم القضائي الخاص بحظر جماعة الإخوان المسلمين، وذلك إلى جانب المستقبل السياسي لوزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي، ولكن هناك حرص من الادارة الأمريكية على تجنب التوتر في العلاقات مع مصر، وتوجه لمنح خارطة الطريق "فرصة"، مع تقييم مستمر لخطوات تنفيذ خارطة الطريق، خاصة خطوة كتابة الدستور، وهذا ما أكد عليه باراك أوباما في حديثه عن "العلاقات البناءة" مع الحكومة الانتقالية في مصر. ورغم أهمية هذا التوجه، من حيث تعبيره عن تغير في الموقف الأمريكي من العملية السياسية في مصر، خاصة وأن ما يهم إدارة أوباما، كما تحدث عن ذلك في كلمته أمام الجمعية العامة، هو مدى خدمة الحكومة الانتقالية في مصر لمصالح واشنطن، وهي تحديدا مكافحة الإرهاب والالتزام بمعاهد كامب ديفيد، إلا أن واشنطن لا تزال تربط الدعم الذي يمكن أن تقدمه للحكومة الانتقالية في مصر بحجم التقدم نحو الديمقراطية، وهو الذي يعني في أحد أبعاده تراجع الدور السياسي للمؤسسة العسكري، وتأكيد مدنية العملية السياسية في مصر، وفتح المجال أمام مشاركة بدرجة ما من جماعة الأخوان المسلمين. من الواضح أن موقف واشنطن من الحكومة الانتقالية في مصر، يتوقف على مدى فعالية الجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية في واشنطن، إلى جانب الجهود غير الرسمية، التي يقوم بها المصريون -الأمريكان من أجل توضيح أبعاد المرحلة التي تمر بها مصر، وعلى درجة الالتزام بتنفيذ خارطة الطريق بخطوات عملية وملموسة، ويعد هذا المدخل أفضل تعامل مع الحملات المضادة التي ينظمها المعارضون للحكومة الانتقالية في مصر، سواء من قبل المصريين الذين يعيشون في واشنطن والمؤيدين لجماعة الأخوان، أو بعض المسئولين في بعض الدول التي رفضت تأييد ثورة 30 يونيو، وهي تحديدا تونس وتركيا، فخلال كلمة منصف المرزوقي الرئيس التونسي في الأممالمتحدة، طالب بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي، كما تحدث الرئيس التركي، عبدالله جول، عن أن مكتسبات الربيع العربي، والتقدم الديمقراطي في تونس ومصر وليبيا سيثبت أنه "لا رجعة فيه"، في إشارة إلى التغيير الذي حدث في مصر في 30 يونيو .