استطاعت خدمة التوصيل المجاني للمنازل (الهوم ديليفرى)، أن تتخطى حاجز البعد المكاني، وتضع حلا لمشكلة تذمر بعض الأزواج من طلبات البيت، لتصل إلى المستهلك أينما كان بسرعة وفعالية.. وقد أصبحت هذه الخدمة جزءا أساسيا من الدعاية لأي محل تجاري مهما كان حجمه، فستجيل الطلب (الأوردر) يتم الآن من الأطفال قبل الكبار، الذين يحفظون الرقم الكودي لكل محل من المحال التجارية. ولأن الحاجة هي أم الاختراع، فإن خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل أخذت أشكالا مختلفة عن المعتادة والمتوافرة في مطاعم الوجبات السريعة، أو السوبر ماركت، أو الصيدليات، أو حتى المكوجي أو (الدراي كلين). الجديد في الموضوع ابتكار البعض لتوفير الخدمات للمنازل وليس السلع فقط، فأخيرا لجأ أحد الشباب إلى توفير خدمة (غسيل السيارات ديليفرى)أو خدمة غسيل السيارات المتنقلة، فكل ما عليك الاتصال بالرقم المعروض على العديد من المواقع الإلكترونية، لتسجل رغبتك في الحصول على هذه الخدمة، ومن ثم تصلك حتى باب المنزل، بل حتى مكان عملك سيارة مجهزة بالأدوات والعمال، وتعيد إليك سيارتك على حالتها الأولى، وبهذا يتحقق شعار الإعلان "اغسل سيارتك ودلعها"، بدون تضييع للوقت والمجهود في محطات الوقود. هل سمعت يوما عن خدمة (البلطجيات ديليفرى)؟ الحجز مقدما والأسعار شاملة الحبس الاحتياطي والعلاج بالمستشفيات، والدفع أحيانا بالعملة الصعبة. هذه الخدمة تصلك أينما كنت، ويتزايد الطلب عليها في أيام الانتخابات حيث المنافسة الشرسة- كما تنتشر في الأماكن الشعبية- ومن أهم عروض البلطجيات ديليفرى: ضرب بالروسية 400 جنيه، فضيحة بجلاجل ( داخل نطاق العمل ) 3000 جنيه، اتصال تليفوني ورسائل تهديد 1000 جنيه، والأسعار تحدد بالاتفاق المسبق. "الآن في موقع دار الكتب الإلكتروني،(كتابك لحد بابك) أرخص20% من سعر المكتبات، فقط اتصل على.." بهذا الإعلان المنشور على (face book) انضم أيضا (الكتاب) إلى قائمة المنتجات التي تسوق عن طريق خدمة التوصيل للمنازل، فلم يعد القارئ في حاجة-إلى البحث والتنقيب عن أحد الكتب، لاسيما أنه يستطيع الحصول عليها، عن طريق الاتصال التليفوني، أو زيارة الموقع الإلكتروني المخصص لهذه الخدمة، وترك أسماء الكتب المطلوبة والعنوان المراد التوصيل إليه، لتصل إليه-أي القارئ- الكتب ديليفرى عن طريق أحد المندوبين، في وقت قياسي. على غرار الكتب يمكنك التسوق عبر الإنترنت لشراء منتجات مستوردة من أمريكا مثلا -أو أي دولة عربية مثل السعودية- يتم تصفحها من خلال بعض المواقع المعروضة على صفحة الإعلان الإلكتروني، ومن ثم تقوم باختيار رابط المنتج الذي تحتاجه؛ ليتم احتساب تكلفة وصول المنتج من قبل القائمين على المشروع بالكامل لمصر، ولضمان الجدية يتم دفع مبلغ 50% من ثمن المنتج قبل الشراء، مع العلم أنه يمكن الشحن لأغلب محافظات مصر وبسرعة عالية إلي باب منزلك ،غالبا من 24 إلي 48 ساعة فور إرسال الطلبية -كما يشير الإعلان- كما لن تدفع أي مقابل لهذه الخدمة. قد يتسبب الديليفرى في نقل العدوى وتفشي العديد من الفيروسات مثل: فيروس التهاب الكبد الوبائي والإيدز، خاصة إذا علم أن هناك ما يعرف ب(طبيب أسنان ديليفرى) يقرع الأبواب في الأحياء المتطرفة والشعبية يعرض خدماته الطبية في الخلع والتركيبات الصناعية بأسعار مغرية، وقطعا لا يحمل هذا الطبيب –إن صح التعبير- أو الفني المتجول آلة تعقيم، ولا يحمل ترخيص ممارسة المهنة. بتكلفة تبلغ حوالي 250 دولارا فقط ، تصلك العروسة الصينية الديليفرى حتى باب المنزل، بهذا الشعار انتشرت فكرة العروسة الصينية على الإنترنت على شكل كليبات مثل الكليب الذي يبدأ بهذه الأسئلة: هل تشعر برغبة في الزواج وظروفك لا تسمح؟.. أو أن العمر قد مضى وتشعر بأنك تقدمت في السن ومازلت تبحث عن بنت الحلال ولم تجدها ؟.. إليك الزوجة الصينية، ثم يشرح مميزاتها،في أنها قليلة الكلام وقليلة الأكل؛ لأن معدتها صغيرة، ويمكن وضعها في أي مكان في الشقة، كما أنها مزودة بخاصية برمجتها على الكلام القليل -أي العروسة- وأيضا خاصية مانع النكد، كما أنها لا تهتم بإقامة حفل زفاف، أو الحصول على شبكة بآلاف الجنيهات.. اتصل الآن ولا تتردد، تصلك (بكرتونتها) أينما كنت! ترى مروة محمد (موظفة) أن خدمة توصيل الطلبات للمنازل توفر على الأسرة الكثير من الوقت والجهد، خاصة في ظل تعقد أنماط المعيشة وصعوبة الانتقال والحركة في كثير من الأحيان. في حين لا تتفق معها آمال أحمد (ربة منزل)، حيث ترى أن هذه الخدمة تولد الكسل والاتكالية بين أفراد الأسرة، وتقول إنها خدمة مناسبة للمرضى وكبار السن. ويقول محمد مختار (مهندس)إأن من أهم مميزات الديليفرى: هو طلب السلع التي نحتاجها بالفعل، دون التوسع في الطلبات كما يحدث كلما ذهبنا إلى “السوبر ماركت" بأنفسنا. يؤكد مجدي يوسف (مدرس مهتم بمتابعة مواقع الإنترنت) أن لجوء العديد من الشباب إلى مثل المشاريع السابقة، والتي يتم الترويج لها والدعاية عن طريق الإنترنت، يعد أمرا إيجابيا، حيث لجأ أصحابها إلى التفكير الإيجابي، بعيدا عن انتظار الوظيفة، والوقوع فريسة للاكتئاب. وتنقل إيمان علي (ربة المنزل) تجربتها مع عامل الديليفرى قائلة: لم أكن أتخيل أنه -أي العامل- يتسبب في إغواء الخادمة التي كانت تعمل عندي، والذي تعرفت عليه عندما كان يوصل لنا الطلبات بشكل متكرر، وتحريضها على ترك العمل، أملا في الزواج منه، وقد أظهر المحضر الذي حررته بعد اختفاء خادمتي هذا السبب الذي دفعها للهروب. كما يعلق الكثير من الأشخاص الذين استخدموا خدمة غسيل السيارات المتنقلة على (face book) بإيجابية عن هذه الخدمة، معللين ذلك بأنها توفر الوقت والمجهود،وتقدم خدمة متميزة، وأسعارا جيدة لغسيل السيارات، ولا تضطرك للنزول في أيام العطلات خصيصا لغسيل سيارتك في محطات الوقود، فضلا عن أنها تقدم لعديد من الخدمات الأخرى. "السيدات أكثر ناس بتتصل علشان تسجل الأوردرات".. هكذا رد محمد علاء (المسئول عن تسجيل طلبات العملاء التي تتم عن طريق المكالمات التليفونية في أحد المحال التجارية) عندما سألناه عن أكثر الأصوات التي تتصل به تليفونيا؟ يبين خالد حسن، عامل ديليفرى في أحد المطاعم الشهيرة في منطقة مصر الجديدة، أن هذه المهنة تتطلب معرفة ممتازة بالطرق والشوارع، كما تتطلب أيضا اللباقة في الحديث مع العميل، والاهتمام بالمظهر العام؛ لأن العامل هو واجهة المحل الذي يعمل فيه، والأهم من ذلك سرعة توصيل الطلبات إلى المنازل، خاصة مع محلات الوجبات السريعة. يبدو أن الكاتب الشاب مصطفى فتحي قد تنبه لظاهرة انتشار توصيل الطلبات للمنازل، ولهذا بدأ في مقدمة كتابه "الهوم دليفري.. يوميات شباب الفيسبا" قائلا: في شوارع القاهرة المزدحمة تنطلق بهم دراجاتهم النارية وينطلقون بها، بكل جنون وسرعة وتمرّد.. هؤلاء الباحثون عن أحلامهم.. العاشقون للتمرّد.. الأشرار الذين يخفون داخلهم طفلا طيبًا.."عفاريت الشوارع"، "الطيارون" أو "الديليفرى بويز"..هنا حكاياتهم التي لا ولن تتوقف أبدًا.. مع البشر.. والخطر.. والبقشيش.