يضطر الصحفيون بمحافظة الأنبار، غرب العراق، إلى التنكر لإخفاء هويتهم في مسعى لتغطية الاعتصامات المتواصله بالمحافظة منذ نحو 5 أشهر ضد حكومة نوري المالكي. جاء ذلك ردا على مواقف الأجهزة الأمنية التي تمنع الصحفيين من دخول ساحات الاعتصام، وتهددهم بالاعتقال في حال مخالفة تلك التعليمات سعيا منها لفرض حالة من التكتم الإعلامي على ما يجري بالمحافظة، بحسب صحفيين تحدثوا لمراسلة الأناضول. ويقول علي المشهداني، صحفي يعمل بوكالة أنباء غربية: "لم أجد وسيلة أخرى للقيام بعملي بالتغطية سوى التنكر بارتداء الزي العربي (جلباب) والقبعة والنظارة الشمسية، بعد قيام أجهزة الأمن مؤخرا باحتجازي عدة ساعات ومنعي من تغطية ساحة الاعتصام". كما وجد المشهداني وسيلة أخرى لإخفاء أجهزة التصوير، حيث يضعها في مكان خاص بغطاء السيارة الأمامي، بحسب قوله "خوفا من الأجهزة الأمنية، التي بدأت تعتقل الإعلاميين لأن نقل ما يجري في المحافظة من شأنه أن يؤرق المسؤولين". وتحدث الصحفي العراقي عن "تحذير" قال إن "قائد عمليات الأنبار بالجيش العراقي مرضي المحلاوي أطلقه ضد الإعلاميين لمنعهم من تغطية ما يدور في ساحة الاعتصام". ويردف: "على المسؤولين أن يوفروا لنا رواتبنا الشهرية قبل أن يطلبوا منا ترك عملنا بقرارات لا أعلم على أي مادة من القانون استندوا إليها". ويتهم المسؤولين العراقيين ب"الازدواجية"، مضيفا: "يريدوننا أن نكون أبواقا لهم ولقراراتهم ولا يريدون أن ننقل أخطائهم وأصوات المظلومين، التي يريدون إسكاتها وإقصائها"، مشددا على أنهم مستمرون في أداء عملهم و"ما تمليه علينا أخلاقيات مهنة الإعلام". ويقول أزهر شلال، صحفي يغطي أحداث الأنبار لوكالة أنباء غربية أيضا، والذي انخرط في صفوف المعتصمين من فترة: "لا أستطيع دخول منزلي بعد مداهمة الأجهزة الأمنيه له مرتين على خلفية قيامي ببث ملفات فساد تتعلق بمسئولين في الحكومة المحلية، وتعرضت على إثرها للتهديد والمطاردة من قبل الأجهزة الحكومية". ويضيف: "أنا اليوم أول صحفي معتصم في ساحة الرمادي احتجاجا على سياسات الحكومة وتعاملها مع الصحفيين، كما أن وجودي وسط المعتصمين يحميني من الأجهزة الأمنية التي لن تستطيع اعتقالي في هذا المكان". عبد الرحمن الراوي، أحد الإعلاميين الذي يعمل لصالح عدة قنوات محلية، يروي من جانبه: "عقب اعتقال عدد من الصحفيين وإجبارهم على توقيع تعهدات بعدم العمل في مؤسساتهم الإعلامية بدأ كثير من الصحفيين يخفون هويتهم لدخول ساحة الاعتصام، كما يدخلون المكان بزي تنكري، ويلجأ الكثير منهم الى استخدام أجهزة تصوير صغيرة الحجم، كما يستخدم البعض الآخر كاميرات الهواتف النقالة لتصوير ما يدور من أحداث". أما مهندس البث، بلال علي، الذي يعمل على النقل المباشر من ساحة الاعتصام بالرمادي والتي تعرف ب"ساحة العزة والكرامة"، فيتهم الأجهزة الأمنية ب"إجباره على توقيع تعهد بالتوقف عن العمل"، مشيرا إلى أنهم "هددوه في حال المخالفة سيتعرض للسجن وسداد غرامة مالية قدرها أربعة آلاف دولار". من جانبها، طالبت نقابة صحفيو الأنبار، مؤخرا، في بيان تلاه نقيب الصحفيين بالمحافظة أحمد الراشد، الأجهزة الأمنية بالتوقف عن "ممارساتها من احتجاز ومضايقات وعرقلة عمل الصحفيين لما في ذلك من انتهاكات لحرية الصحافة وتجاوز على قانون حماية الصحفيين"، محذرا من أنه "إذا استمرت هذه الممارسات فإن النقابة ستقاطع قيادة عمليات الأنبار وقيادة الشرطة في المحافظة". ويقول عمار محسن، مصور من الأنبار، إن "الأجهزة الأمنية قامت باحتجازي مع ثلاثة من الإعلاميين العاملين في قنوات فضائية محلية لمجرد أننا حاولنا دخول ساحة الاعتصام لتغطية الأحداث"، مشيرا إلى أنهم "لم يتعرضوا للاحتجاز وحدهم بل إن العديد من الصحفيين العاملين في المحافظة تعرضوا للاحتجاز لنفس السبب، كما قام الأمن بمصادرة أجهزة البث المباشر الخارجية". ما يشكو الصحفيون من تعرضهم له في الأنبار دفع بعضهم إلى إنتاج فيلم وثائقي قصير يوثق ما يقولون إنه يتعرضون له من تهديدات ومضايقات لمنعهم من آداء عملهم، ويقول علي راسم، مخرج الفيلم وصاحب فكرته، إن "ما تعرض له زملائي من تهديد واعتقال فضلا عن الممارسات التي تمثل انتهاكا لحرية الصحافة دفع بي إلى التفكير في إنتاج فيلم يجسد معاناتهم ويوثق ما يتعرضون له". ويضيف راسم أن "هذا الفيلم يبعث برسالة الى كل الذين لا يروق لهم كشف الحقائق ولا يدركون معنى مصادرة حقوق الآخرين بأن ثقافة تكميم الأفواه لم تعد تجدي نفعا مع حداثة وتطور وسائل الإعلام اليوم". ومنذ 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تشهد عدة محافظات عراقية ذات أغلبية سنية احتجاجات واعتصامات، تطالب بالإفراج عمن يعتبرونهم معتقلين أبرياء، ولا سيما النساء، وإلغاء المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب، والعدالة والمساءلة، بدعوى أنهما "يستهدفان السنة بشكل أساسي". وتفاقمت الاضطرابات التي اكتست ثوب الطائفية يوم 23 أبريل الماضي، حين اقتحمت قوات من الجيش العراقي ساحة اعتصام قضاء الحويجة جنوب غربي محافظة كركوك؛ بدعوى وجود مسلحين داخل الساحة، مما أسفر عن سقوط 50 قتيلا و110 جرحى بين المعتصمين، وهو ما فجّر غضبا واسعا تطور إلى اشتباكات بين مسلحين وقوات الأمن في عدة محافظات؛ مما أدى إلى مقتل عشرات آخرين؛ ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم لتشمل رحيل رئيس الوزراء نوري المالكي، وتطبيق النظام الفيدالي. وفيما لم يتسن الحصول على تعقيبات من السلطات الأمنية حول تلك الاتهامات، أفادت منظمة "مرصد الحريات الصحفية" العراقية، التي تعنى بالدفاع عن الصحفيين، في تقرير لها مطلع شهر مايو الجاري أن حرية الصحافة في البلاد في العام الماضي هي "الأسوأ منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003". وأوضحت المنظمة (غير حكومية) أن "الحكومة العراقية استهلت العام 2012 بإجراءات صارمة ضد وسائل الإعلام العراقية". والعراق، الذي يشهد منذ احتلاله من الجانب الأمريكي وقوات أخرى حليفة عام 2003 أعمال عنف يومية، احتل مؤخرا المرتبة 150 على لائحة منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة، بحسب تقرير للمنظمة.