يواجه الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، العديد من الأزمات السياسية، فعلى المستوى العام أصابته لعنة الأزمة التي تمر بها مصر شأنه في ذلك شأن كل السياسيين على الساحة حكومة ومعارضة، بسبب عدم قدرتهم على إيجاد مخرج ليس صعبًا مما يعانيه المصريون من أزمات بدأت تنال من معيشتهم اليومية، فما بالنا بالمستقبل الذي بات التفكير فيه نوعا من الرفاهية السياسية. أما على مستوى الحزب الذي يرأسه (الدستور)، فإن هناك معاناة أكبر سببها عدم قدرة قواعد وشباب الحزب على تفهم رغبته، التي عبر عنها منذ البداية أن يكون بمثابة مظلة أو حاضن سياسي للقوى الشبابية والثورية لكي تعبر عن نفسها في شكل حزبي مؤسسي، وليس رئيس حزب تقليدي، وأنه سوف يترك رئاسة الحزب بعد مؤتمره العام الأول في سبتمبر المقبل. ولذا يطالبه الشباب المعتصم حاليًا في أمانة الحزب بما هو أكبر من قدرته ورغبته، وهو ضرورة التفرغ التام للحزب وإدارة مشاكله اليومية، التي بات بعضها عصيا عن الحل. فقد فشل اجتماع الجمعة الماضية الذي جمع نائب رئيس الحزب الدكتور أحمد البرعي مع هؤلاء المعتصمين من أجل إنهاء الاعتصام، بسبب إصرارهم على مطالبهم التنظيمية والإدارية، التي كان أبرزها دعوة البرادعي صراحة بالنزول من برجه العالي والتدخل لإنقاذ الحزب، بل ذهب البعض للتأكيد على اتهام البرادعي شخصيًا بإفساد الحزب والفشل في إدارته خلال المرحلة الماضية. ويعاني حزب الدستور الآن من أزمة يعاني منها المجتمع والسياسة فى مصر، حسب توصيف الكاتب الصحفى نبيل عبد الفتاح، حيث انتقلت الحالة الثورية الشبابية من علاقات المعارضة بالسلطة إلى داخل تيار منهما، بسبب تزايد مطالب الشباب ورغبتهم في رؤية التغيير السريع. فالمطالب التي يرفعها شباب الدستور مشروعة وتتعلق بإعمال مبدأ الانتخاب السياسي في عملية إعادة بناء وتنظيم الهياكل الإدارية التنظيمية داخل الحزب، حتى يكون نموذجًا له ثقله داخل البيئة الحزبية المصرية، إلا أن ذلك يتعارض مع القرارات التي اتخذت في بداية نشأة حزب الدستور، والتي أعطت للبرادعي الحق في تسيير أعمال الحزب وهياكله التنظيمية حتى موعد مؤتمره العام. ومطالب هؤلاء الشباب لن تنتهي، فبعد استبعاد سامح مكرم عبيد من أمانة التنظيم وتولي جميلة إسماعيل المنصب، بدأ يطالب هؤلاء الشباب ليس بالتحقيق فيما اعتبروه تجاوزات عبيد الخطيرة طوال الفترة الماضية، التي أدت لوفاة أمين الحزب في مدينة 6 أكتوبر شعراوي عبد الباقي قبل شهرين فحسب، وإنما أيضًا استبعاد اثنين من كبار النخبة السياسية والثقافية داخل الحزب أحمد البرعي نائب الرئيس والدكتور عماد أبو غازي أمين عام الحزب، للقضاء على ما وصفوه بالشللية داخل الحزب، التي تهدد بمزيد من الاستقالات، بحيث تكون استقالة الدكتور حسام عيسي رئيس لجنة التسيير الداخلية ليست الأخيرة وإنما بداية لخروج المزيد من النخبة السياسية والثقافية من الحزب. وهى تهم نفاها عماد أبو غازي، معتبرًا أن ما يحدث محاولة لهدم الحزب من الداخل. هؤلاء ليسوا كل شباب حزب الدستور حسب وصفه، فشباب الحزب أكبر بكثير من هذه المجموعة، مشيرا إلى أن هذا الموقف لا يعبر عن أعضاء الحزب وأن غالبية أعضاء الحزب يستنكرون ما قامت به هذه المجموعة من عمل مخالف للقانون العام ولائحة الحزب. كان أبو غازي قد أكد أن إدارة الخلافات داخل الأحزاب لا يمكن أن تتم بهذه الطريقة وأن ما ارتكبته هذه المجموعة مخالف للقانون، لأنهم قاموا باحتلال مكان عام يمتلكه كل أعضاء الحزب، كما قاموا بالاستيلاء على الأوراق الخاصة بالحزب، التي لا تخصهم، مما يعد مخالفة واضحة للوائح الحزب، وسيتم محاسبتهم وفقا لهذه اللوائح. وبالتزامن مع تلك الأزمة حدثت موجة الاستقالات الجماعية من أمانة الحزب بمحافظة أسوان يوم السبت الماضي. والتي أضافت بعدًا أكبر لأزمة أمانة القاهرة، ومع توالى تلك الأزمات بدأت تنتشر فكرة إمكانية رحيل البرادعي عن حزب الدستور الذي أسسه ووضع لبنته الأولى، وتحديدًا حال عجزه عن إدارة الأزمات الداخلية بالحزب، ودخولها طور التصعيد السياسي واستهدافه بشكل شخصي. ودارت التكهنات حول قدرة الوفد بما لديه من مؤسسية ورصيد كبير داخل الشارع على استقطاب البرادعي بما له من ثقل سياسي وحضور مؤثر بالمشهد المصري. رغبة يتمناها رئيس حزب الوفد السيد البدوي، الذي قال ل"بوابة الأهرام" إن الوفد بيت للأمة ويرحب بجميع الشخصيات، خصوصا إذا كانت قامة كبيرة مثل الدكتور البرادعي، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن ينضم البرادعى للوفد، إذا ما ترك رئاسة حزب الدستور في أي مرحلة من المراحل، لأن والده كان أحد القيادات الكبيرة داخل حزب الوفد. رغبة أكدها أيضًا الدكتور عبد الله المغازي، المتحدث الرسمي باسم حزب الوفد، من كون البرادعي شخصية وطنية كبيرة تحظى باحترام الجميع، والوفد يرحب به في أي وقت. أما طارق تهامي عضو الهيئة العليا للوفد ورئيس اللجنة النوعية لشباب الوفد علي مستوى الجمهورية فأكد أن طرح انضمام البرادعي لحزب الوفد بدأ عام 2010، بعدما استقر في مصر عقب انتهاء عمله بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن ظروفا سياسية حالت دون تلك الرغبة في حينها بسبب ضغوط نظام مبارك، وتجددها الآن بعد أزمة حزب الدستور، يمكن أن يفتح الباب لتلك العودة، مشيرا أيضًا إلى أن الوفد يرحب بشخصية كبيرة مثل البرادعي، خصوصا أن أسرته وفدية، فقد كان والده الدكتور مصطفي البرادعي أحد القيادات الكبيرة بالوفد. ونوه تهامي إلى أنه تم عمل استطلاع رأى على صفحة الحزب على الإنترنت حول فكرة انضمام البرادعي للوفد، بلغت نسبة المؤيدين لتلك الفكرة إلى أكثر من 90 % من القاعدة الوفدية، ما يعنى أن الوفديين يرحبون به إذا رغب هو ذلك. لكن السؤال الآن هل ينضم البرادعي فعلا للوفد ويترك حزب الدستور، الذي نشأ علي يديه.. الواقع والحقيقة وشخصيته تقول غير ذلك، لأن البرادعي ليس من الشخصيات اليائسة فتركه للدستور يمثل فشلا للبرادعي، وهو لا يحب الفشل حسب المحيطين به، وسيحاول جاهدًا فى الفترة المقبلة احتواء أزمة الدستور بيته الأول، لكونه يؤسس زعامته على الحزب وليس خارجه.