هل يعقل فى عصر أصبح فيه الاتصال بأبعد نقطة فى الأرض، مثل من يتصل بصديق يجلس بجواره، أن يتم استخدام الحمام الزاجل فى نقل رسالة؟ هذا السؤال يطرحه على الإذهان بكثير من علامات الدهشة والتعجب، ضبط مديرية أمن لحمامة زاجل معلق فى رجليها ميكروفيلم ورسالة مكتوب عليها "إسلام إيجيت"، كما أن ما تم ضبطه من ميكروفيلم ورسالة غامضة يثير الشكوك والمخاوف، ويجعل من عودة استخدام الحمام الزاجل، طريقة مبتكرة للتحفى والبعد عن أعين أعتى أجهزة المخابرات فى العالم. وفى الوقت الذى ننتظر فيه فيه ما سيسفر عنه تفريع محتويات الميكروفليم، وفك شفرات الرسالة الغامضة، إلا أن عودة استخدام الحمام الزاجل فى الوقت الحالى يعد من أفضل وسائل الاتصال بعيدًا عن وسائل التجسس والمراقبة على المكالمات والبريد الإلكترونى، ومواقع الإنترنت، التى يمكنها فك شفرات أى كلمة سر وأى وسيلة تأمين ضد تقنيات التجسس التى تتطور بشكل هائل يواكب ثورة الاتصال حول العالم. ربما تكون هذه هى الحقيقة التى دفعت مستخدم الحمام الزاجل، لتوصيل رسالته فى زمن النانو تكنولوجي، لأنها وسيلة يصعب التجسس عليها، ومن المؤكد أن المستخدم واع بتلك الحقيقة التي دفعته لاستخدام تقنية في غاية البدائية، لن تجدي معها الأقمار الصناعية ولا كاميرات التجسس نفعًا. وبعيدًا عن هذه الواقعة الغريبة، تشير الأبحاث العلمية أن للحمام الزاجل قدرة علي رسم خريطة للمجال المغناطيسي للأرضمن خلال ما يمكن اعتباره بوصلة داخلية، يتمكن بها من معرفه مساره وطريق ذهابه وعودته عبر المجال المغناطيسي للأرض، إلا أنها لم تتوصل بعد إلي نظرية مثبتة حول طريقة تعرفه علي موطنه الأصلي الذي انطلق منه. ويمكن للحمام الزاجل أن يقطع مسافة 1800 كيلو متر متواصلة، وبسرعة تصل إلى 177 كيلو متر في الساعة. وبشكل عام فالحمام الزاجل له تاريخ طويل فى التواصل بين المجتمعات المترامية الأطراف والتخابر بين الدول، ويقال أن أول رسالة حملها الحمام، كانت عندما أرسله سيدنا نوح ليبحث عن الأرض التى يستطيع أن يرسو عليها بسفينته، وقام الحمام بتلك المهمة خير قيام إذ عاد، وهو يحمل غصن الزيتون، ومن هنا أصبح الحمام وغصن الزيتون رمزًا للسلام. وهناك رواية أخرى تقول إن أول مرة تم استخدامه فيها لأغراض حربية كان بعد 24 عامًا فقط علي ميلاد السيد المسيح أي منذ ما يقرب من ألفي عام، ليكون بذلك واحدة من أقدم وسائل التراسل والتخابر بين الناس حتي قبل نشأة الدول بمعناها الحديث، كما استخدمه بروتوس حين حاصرت قوات القائد الروماني "مارك أنطونيو" قوات بروتس، في مدينة"مودلينا" - بايطاليا حالياُ - فظل علي تواصل مع أوكتافيوس الثالث للاطلاع على أحواله أثناء الحصار بوساطة الحمام الزاجل. وللعرب تاريخ طويل حافل مع الحمام الزاجل، إذ كانوا من أوائل الأمم التي عرفته واهتمت بتربيته، وكان وسيلة التواصل والتراسل الأساسية لديهم، حيث ارتبط استخدام الحمام الزاجل لدي العرب، بتوسع الدولة الإسلامية وانتقال مركز الخلافة الإسلامية من بغداد إلي مصر وكثرة الحروب والقلاقل التي استدعت وجود وسيلة تواصل تختصر الوقت، فكان الوقت الذي يختصرها الحمام الزاجل في توصيل الأخبار عاملاً حاسماً في حسن الكثير من المعارك، وفي إدارة شئون الدولة أيضاً، فيروي مثلاُ أن الخليفة "المعتصم" علم بانتصار جيشه على" بابك الخرمي" وأسره له عن طريق الحمام الزاجل الذي أطلقه قائد الجيش من جهة المعركة إلى دار الخلافة في سامراء بالعراق. وكان الحمام الزاجل يقطع آلاف الاميال يوميا باتجاهات مختلفة في أنحاء الإمبراطورية الإسلامية وساعده في ذلك سلسلة الأبراج التي اقامتها الدولة، والتي يبعد الواحد منها عن الآخر حوالي 50 ميلا وكانت مجهزة لاستقبال الحمام واستبداله إذ كانت القوافل الكبيرة تحمل معها أقفاص الحمام وترسل بواسطته الرسائل إلى مراكزها في كل مرحلة من مراحل الرحلة لكي ترشد القوافل الصغيرة التي تسير على نفس الدرب أو تنذرها عند تعرضها إلى الخطر، فتطلب النجدة والمعونة من اقرب مركز أو انها كانت تخبر المكان الذي تنوي الوصول إليه بالمواعيد ونوع البضاعة التي تحملها لكي يستقبلها التجار المعنيون بالشراء. ويروى أن المعتصم "علم بانتصار جيشه على" بابك الخرمي" وأسره له عن طريق الحمام الزاجل الذي أطلقه قائد الجيش من جهة المعركة إلى دار الخلافة في "سامراء".. وقد وصل ثمن الطائر منه في ذلك الوقت إلى 700 دينار وبيعت حمامة منه في خليج القسطنطينية بألف دينار.. لكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بهذا النوع من الحمام بابتكارهم الوسائل للتغلب على أمكانية وقوعه بأيدي العدو باستحداث رسائل مرموزة "مشفرة" لا يستطيع العدو التوصل لمعناها. وعن الحمام الزاجل أحاديث كثيرة.. ففي الحرب العالمية الثانية وعند هجوم الألمان على بلجيكا اصطحب المظليون الحمام خلف خطوط جيوش الحلفاء، ثم أطلقوه بعد ذلك مع رسائل عن نتائج عمليات التجسس التي نجحوا في الحصول عليها وفي فرنسا أجريت مؤخرا مناورات اشترك فيها الحمام الزاجل في إطار تدريببي على إمكانية زجه في عمليات الاتصال.