ربما يكون المصريون الأفراد هم من بيده الحيلولة دون انخفاض فوضوي لقيمة الجنيه المصري حيث إن المستثمرين الأجانب ينظرون إلى حيازات المصريين من الدولار كمقياس مهم لمدى الثقة في السلطات. وقد أظهرت أزمات عديدة في الأسواق الناشئة عبر العقود أن العامل الرئيسي في انهيار العملة ليس انسحاب المستثمرين الأجانب من السوق بل تخلي المصريين والشركات المحلية عنها. وبالرغم من المشكلات المستمرة منذ عدة أشهر إلا أن مصر لم تصل بعد إلى تلك النقطة. لكن المستثمرين يراقبون الموقف عن كثب بحثا عن أي دلائل على زيادة كبيرة في حيازات المصريين العاديين من الدولار. وبلغت نسبة الدولرة بين المصريين، وهي نسبة الحيازات من العملة الأجنبية إلى المعروض النقدي، 15.5% في نهاية أكتوبر تشرين الأول 2012 وفقا لتقديرات بنك أوف أمريكا ميريل لينش اعتمادا على بيانات البنك المركزي. ولا شك في أن النسبة ارتفعت في الأسابيع الأخيرة حيث سارع المصريون الذين انتابهم الهلع إلى شراء الدولار في ظل تزايد الاضطرابات السياسية ومع سماح البنك المركزي بتراجع العملة بواقع 0.5% يوميا خلال الأسبوع المنقضي. وفي الأقصر على سبيل المثال وهي مدينة يعتمد دخلها على السائحين الذين يأتون لزيارة المعابد الفرعونية بدأ بعض سائقي سيارات الأجرة يطلبون أجرتهم باليورو أو الدولار. لكن من المرجح أن نسبة الدولرة بين المصريين لا تزال أقل بكثير مقارنة مع 41% لدى الشركات أو النسبة المسجلة لدى الأسر عام 2004 وهي 33 % وقال جان ميشيل صليبة الاقتصادي، المتخصص في منطقة الشرق الأوسط لدى بنك أوف أمريكا ميريل لينش،: "زيادة الدولرة بين المصريين والتدافع لشراء العملة.. هذا هو الخطر الكبير". ويعتقد صليبة أن ودائع المصريين الأفراد تمثل أكثر من 70% من ودائع النظام المصرفي. في المقابل تمثل حيازات الأجانب ثلاثة بالمائة إلى أربعة بالمائة فقط من سوق السندات المحلية وفقا لتقديرات أخرى من بنك باركليز. وقال صليبا: "إذا عادت النسبة (الدولرة) إلى الذروة المسجلة في 2004 فسيخلق هذا طلبا إضافيا على الخمسة عشر مليار دولار وسيمحو احتياطيات البنك المركزي". لكن ما الذي قد يعجل بذلك؟ لقي قرار البنك المركزي بالسماح ببعض التراجع في الجنيه، بعد أن أمضى نحو عامين وهو يعمل على دعمه وأنفق خلال هذه الفترة 20 مليار دولار، ترحيبا واسعا من الاقتصاديين والمستثمرين في الأسهم الذين يقولون إنه ينبغي زيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية. لكن هذا حبل مشدود يسهل السقوط من فوقه؟. وانتقلت مصر عام 2003 من نظام ربط العملة إلى التعويم المحكوم وظل الجنيه منذ ذلك الوقت متداولا في نطاق بين 5.5 جنيه وستة جنيهات للدولار وشعر المواطنون ببعض الاطمئنان بفضل دفاع البنك المركزي القوي عن سعر الصرف خلال الاضطرابات التي حدثت في عامي 2011 و2012. لكن احتياطيات مصر من العملة الصعبة وصلت إلى 15 مليار دولار أي أنها تكاد لا تغطي واردات ثلاثة أشهر وهو الحد الأدنى للأمان مما دفع البنك المركزي لاستحداث عطاءات للدولار سمحت للجنيه بالهبوط إلى سلسلة من المستويات القياسية. وخلال الأسبوع المنصرم وحده حدث نحو ثلث إجمالي الانخفاض الذي شهده الجنيه منذ أوائل 2011 ومن المرجح أن هذا أثار فزع المصريين الذين تبلغ مدخراتهم في البنوك بالعملة المحلية اكثر من 600 مليار جنيه "93.05 مليار دولار". وقال مصري يعمل في القطاع المالي وطلب عدم نشر اسمه: "شعرت أن انخفاض الجنيه قادم، ولأغراض التحوط حولت نصف مدخراتي إلى دولارات قبل يومين فقط من هبوط الجنيه. "لا أثق في النظام الحالي ... ولا أرى فرصة للنمو في الأجل القصير ... لا أمل". وأضاف "أعتقد أن هبوط الجنيه لن يتوقف". والخطر هو أن يشعر مصريون آخرون بنفس الشعور وأن ينظروا إلى موافقة السلطات الضمنية على انخفاض العملة كعلامة على أنها لم تعد قادرة على تحقيق الاستقرار وهي قصة تكررت في أسواق ناشئة شتى من روسيا إلى إندونيسيا. وقال بارتوز بولوسكي، المحلل لدى بي.إن.بي باريبا، في لندن "ليس السؤال الآن هو كم تبلغ احتياطيات "البنك المركزي" ... الأولوية الآن هي الحيلولة دون أن يحول الناس مدخراتهم بالجنيه إلى دولارات. "هذا شيء لا يستطيع أن يتحمله أي بنك مركزي في العالم". ويتوقع أغلب المحللين تراجع الجنيه إلى سبعة جنيهات للدولار على الأقل بينما بلغت العقود الآجلة للعملة لأجل ستة أشهر 7.75 جنيه للدولار بانخفاض نسبته 16% عن المستويات الحالية. وتوجد علامات على أن العملة كان يمكن أن تتراجع أكثر من ذلك لولا نقص السيولة الدولارية. ووضعت البنوك حدودا قصوى لسحب الودائع وفرضت رسوما على مشتريات الدولار. ووضعت الحكومة حدا أقصى للمبلغ الذي يجوز للمسافر حمله إلى خارج البلاد عند عشرة آلاف دولار. وقالت علياء المبيض، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى باركليز،: "هناك مخاوف مالية كبيرة ستعمل بشكل مصطنع على وقف الدولرة". ويتفق محللون على أن ما يحول دون اقبال المصريين على بيع الجنيه بأحجام كبيرة هو احتمال الحصول على مساعدة خارجية لاسيما من صندوق النقد الدولي الذي أوفد مسؤولا إلى مصر لمناقشة قرض بقيمة 4.8 مليار دولار. والمشكلة هي أنه كلما تأخرت الإصلاحات المالية زاد مقدار التعديل اللازم للعملة. ثانيا يخشى كثيرون أن يرجئ قادة مصر إجراءات التقشف التي يشترطها صندوق النقد لمنح القرض خوفا من أن تثير احتجاجات جديدة. وذكرت المبيض أن العقود الآجلة للعملة تأخذ في حساباتها انخفاضا كبيرا في الجنيه ولكن ليس انهيارا. وقالت: "حتى الآن يبدو أن الناس تعتقد أن اتفاق صندوق النقد مازال ممكنا وأن الحكومة ستمضي قدما في الإصلاحات اللازمة للحصول على دعم الصندوق والمانحين. لكن مازال من المحتمل حدوث سيناريو (الانخفاض غير المحكوم) إذا رأى الناس أن الحكومة لن تحصل على الأرجح على التمويل اللازم لتفادي وقوع الأزمة.