مصر حاضرة بثقلها ودورها، عبر تاريخ طويل، هي حاضنة القضية الفلسطينية، ملف دائم الحضور بكثافة في كل تحركاتها، على كل المستويات، برؤية واقعية شاملة، لا تغفل جانبًا، ولا تترك شاردة ولا واردة إلا أحاطت بها، وجمعت شتاتها، لتضع الأمور في نصابها الصحيح. ولا شك أن الأحداث الأخيرة، والتوترات المتسارعة، والتصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، لم ولن تكون بعيدة عن التحرك المصري قيادة وشعبًا ليس الموقف تعاطفًا مع وضع طارئ منذر بكارثة، ولكنه استعادةٌ وتأكيدٌ لدور مصر الممتد عبر تاريخها الطويل. أمام حالات الدمار الذي طال غزة بصورة غير مسبوقة، جاءت مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في القمة الثلاثية المصرية الفرنسية الأردنية التي استضافتها باريس، لتضع ملف القضية على مائدة الحوار، داعية المجتمع الدولي إلى القيام بدوره وفق القوانين والشرعية الدولية، وتأتي مبادرة مصر لوقف أعمال العنف والدمار، في إطار مسئوليتها العربية، وانطلاقًا من دورها الإقليمي والدولي. من هنا تأتي أهمية إعلان الرئيس السيسي عن تقديم مصر 500 مليون دولار لصالح عملية إعادة إعمار غزة، بعد الدمار الذي لحق بها من جراء العدوان الوحشي للاحتلال الإسرائيلي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن إعلان الرئيس تضمن قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة الإعمار. إن قراءة منصفة لهذا الإعلان من جانب الرئيس، تكشف إلى أي مدى مصر حاضرة وبقوة في كل الملمات العربية، وهي بهذا لا أقول تستعيد دورها، لأن هذا الدور دائم، ومتجدد، ينطلق من ثوابت لم تغيرها الأحداث ولا المواقف، بل في أحلك اللحظات لم يكن هناك غير مصر بدورها، ودعمها، وتمسكها بحقوق الشعب الفلسطيني. إن مصر وهي تبادر بالمشاركة في إعادة إعمار غزة، إنما تريد أن تبعث برسالة لكل الأطراف؛ أن البناء هو الأبقى والأدوم، وأن الدمار والعنف لا يحقق استقرارًا، ولا يضيف مكاسب لمن يمارسه، وإنما يضع العراقيل أمام التحركات المخلصة والواعية والمدركة لحقائق الأمور، معتمدة على بلورة تحرك دولي مشترك، وفي الوقت ذاته فإن في الرسالة المصرية تحذيرًا من المخاطر التي تترتب على هذا التصعيد، من تفاقم الوضع الإنساني والمعيشي داخل قطاع غزة، الذي تمتد تأثيراته إلى مناطق فلسطينية أخرى. أكاد أجزم أن التحرك المصري بقيادة الرئيس السيسي يضع كل الأطراف أمام مسئولياتها، لتصنع دفعة قوية لتحقيق سلام يعتمد على المقررات والمرجعيات الدولية، وينطلق من مبادرات عربية تسعى لإنهاء الصراع في المنطقة، حقنًا لدماء شعوبها، وحفظًا لأمنها واستقرارها، وعدم إهدار مواردها وثرواتها. وتبقى مصر بمواقفها هي الرائدة، والداعمة، والمساندة بأفعالها وتحركاتها، لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ولتضع نهاية لصراع طال أمده، وحتمًا لا بد أن يصل إلى نهاية آمنة ترضي جميع الأطراف، ولا تهدر حقوقًا تاريخية للشعب الفلسطيني، المتمسك بحقه في العيش على أرضه.