إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن عزم مصر تقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة، بعد انتهاء الصراع الدائر في الأراضي الفلسطينية، ليس الموقف الوحيد الذي تبنته القاهرة لدعم الشعب الفلسطيني في انتفاضته ضد الاحتلال الإسرائيلي. فمع اشتعال المظاهرات في القدس على خلفية مساعي الاحتلال الإسرائيلي لإخلاء حي الشيخ جراح كان الموقف المصري واضحا عبر وزير الخارجية سامح شكري والذي أكد على رفض القاهرة لتلك المحاولات بما تمثله من تقويض لأي مشروع للسلام وبما تؤثر به على مشروع إقامة دولة فلسطينية عاصمته القدسالشرقية. وعلى خلفية اندلاع المواجهات العسكرية بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال سارعت الدولة المصرية محاولة احتواء حالة الصراع المسلح وإدانة كافة أشكال الإعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة ولاسيما ما يتعلق باستهداف المدنيين. وفي هذا السياق وصف محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق، الموقف المصري بالجريء والشجاع، مشيرا إلى أنه تم اتخاذه في الوقت المناسب. وأوضح العرابي في تصريحات خاصة ل"بوابة الأهرام"، أن جراءة الموقف المصري تتمثل في أنه رغم الدور الذي تسعى مصر للقيام به كوسيط بين الجانب الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية لوقف العمليات العسكرية فإن مساعيها تلك لم تحول بينها وبين اتخاذ موقف إنساني واضح جراء الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين سواء في غزة أو في القدس أو في الضفة الغربية. وأشار وزير الخارجية المصري الأسبق، إلى أن إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن عزم القاهرة تقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة عقب الحرب بعث برسائل عديدة لكافة الأطراف الإقليمية والدولية والفاعلة في القضية الفلسطينية، مشددا على أن هذه الخطوة استبقتها مصر بفتح معبر رفح وتقديم كافة أشكال الدعم الإنساني للفلسطينيين في غزة. وقال العرابي إن أول تلك الرسائل موجهة للجانب الإسرائيلي وتتمثل في إنه إذا كانت إسرائيل شعرت بأريحية استراتيجية خلال السنوات التي تلت ثورة "25 يناير"، والتي سبقت ثورة "30 يونيو"، فإن تلك الأريحية لم تعد قائمة بعد نجاح مصر في إعادة بناء مؤسساتها وإعادة التوازن الذي افتقدته المنطقة لسناوات. وأضاف: "وثاني الرسائل موجهة للشعب الفلسطيني نفسه ومفادها أن مصر هي الحاضنة الأهم للقضية الفلسطينية وأنها لن تتخلى عن قضية العرب المركزية وأنها ستظل تدافع عن الشعب الفلسطيني حتى إقامة دولته وعاصمتها القدسالشرقية". وتابع : " كما أن مصر أكدت عبر تلك المواقف التي لا تقبل المزايدة أنه رغم ما عانت منه خلال الأعوام الماضية واستغلال التكفيريين للأنفاق بين مصر وقطاع غزة فإن مصر قادرة على التفريق بين التصرفات التي تسيء لها من خلال البعض وبين القضايا الاستراتيجية ودورها تجاه أمتها العربية". ونوه العرابي إلى أن مصر بعثت برسالة إلى المنظمات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة تتمثل في أن مصر قادرة على إنفاذ القانون الإنساني الذي يتماشى مع المواثيق الدولية إذا ما عجزت تلك المنظمات عن إنفاذه تحت ضغوط القوى الكبرى والتي تنحاز لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. واختتم وزير الخارجية الأسبق تصريحاته بالقول: "المواقف المصرية إن دلت فإنما تدل على قوة الدولة المصرية وقوة قياداتها السياسية وأن الدولة المصرية قيادة ومؤسسات غير معنية بإرضاء أي طرف على حساب المواقف الأخلاقية والإنسانية وقضايا أمتها العربية. الدعم المصري لانتفاضة الشعب الفلسطيني استبقه دعم سياسي وإنساني وطبي وتمثلت أهم خطوات الدعم في الاتصالات التي قامت بها مصر مع شركائها السياسيين للعمل على وقف الإعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين. كما قامت مصر بخطوة إنسانية كبيرة بفتح معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، وذلك بغرض تقديم العون الطبي والإنساني للمصابين ونقل المصابين الذين يحتاجون لإسعافات طبية متقدمة. كما قامت مصر بخطوة شعبية هامة برعاية رسمية وذلك بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر إعلان صندوق "تحيا مصر"، عن فتح حساب في مختلف البنوك لدعم الفلسطينيين وإعادة إعمار ما دمرته آلة العدوان الإسرائيلي. وفي هذا السياق قال السفير حسين حسونة مساعد وزير الخارجية الأسبق إن الدعم المصري للقضية الفلسطينية ليس وليد اللحظة وإنما هو دعم تاريخي، مشيرا إلى أن مصر خاضت عدة حروب من أجل الشعب الفلسطيني. وأوضح حسونة في تصريحات خاصة ل"بوابة الأهرام"، أن ما أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي من دعم لإعادة إعمار غزة هو وليد الرؤية الاستراتيجية المصرية والقائمة على أنه لا سلام في الشرق الأوسط دون دولة فلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية. وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الدعم المصري للقضية الفلسطينية كان سببا رئيسا في وجود شبه إجماع دولي على أحقية الفلسطينيين في إقامة دولة خاصة بهم ذات سيادة تكون عاصمتها القدسالشرقية، مشددا على أن الجهود المصرية في هذا السياق متواصلة ولم تنقطع. وأشار حسونة إلى أن غزة بصفة خاصة تمثل لمصر قيمة ومكانة خاصة حيث كانت غزة في وقت من الأوقات تابع إداريا للدولة المصرية وحتى عام 1967، موضحا أن الدعم المصري لأبناء الشعب الفلسطيني في غزة لم يتوقف يوما. ولفت حسونة إلى أن إعلان الرئيس السيسي عن تقديم مصر ل500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة رسالة قوية لإسرائيل وللولايات المتحدة تشير بوضوح إلى رفض الدولة المصرية للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين. واختتم حسونة تصريحاته بالقول: "كما أن رسائل مصر لم تتوقف عند ذلك الحد بل عمدت لتنظيم المجهود الشعبي عبر قيام صندوق تحيا مصر بفتح حساب للتبرع لإعادة إعمار غزة وتقديم الدعم الإنساني إلى جانب فتح معبر رفح البري بين غزة ومصر لتقديم كافة أشكال المساعدات الإنسانية والطبية للفلسطينيين في قطاع غزة.