استطاع النبى صلى الله عليه وسلم خلال 23 سنة فقط، أن يستحوذ على قلوب أصحابه، فامتلأت حبًا به وهانت عندهم الدنيا وما فيها إذا وضعت فى كفة والنبى صلى الله عليه وسلم فى أخرى، وهذا مرده إلى ما أودعه الله فيه من الرقة والرأفة واللطف والسماحة، قال الله تعالى: فى سورة آل عمران: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك». وقد تعددت المواقف التي تدل على سماحة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه؛ لتكون شاهدةً على هذا الخلق الرفيع الذي اتسم به النبي الكريم، ومن ذلك: ما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه، قال: كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال: (أعطوه)، فطلبوا سنه، فلم يجدوا له إلا سنًا فوقها، فقال: (أعطوه)، فقال: أوفيتني، أوفى الله بك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن خياركم أحسنكم قضاءً). وفى رواية: أن رجلاً تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال: (دعوه، فإن لصاحب الحق مقالًا، واشتروا له بعيرًا فأعطوه إياه». ومن أبرز صور سماحته وتسامحه صلى الله عليه وسلم أنه قبل الجارية هديةً من المقوقس عظيم القبط، فتزوجها وولدت له إبراهيم، وحفظ لأهل مصر الأقباط هذا النسب الذي ارتبط به معهم؛ فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا». وقد شهد بسماحة النبي صلى الله عليه وسلم وتسامحه مع أهل الكتاب كثير من المستشرقين، يقول «جوستاف لوبون» : (إن مسامحة محمد صلى الله عليه وسلم لليهود والنصارى كانت عظيمةً إلى الغاية، وإنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسار خلفاؤه على سنته، وقد اعترف بذلك التسامح بعض علماء أوروبا المرتابون أو المؤمنون القليلون الذين أمعنوا النظر فى تاريخ العرب.