د. إسلام عوض نحمد الله ونشكره بأن بلغنا شهر رمضان، وأن أعطانا فرصة ثانية، وفتح لنا المساجد بعد إغلاقها، وسمح لنا بأن نقيم فيها صلاة القيام مرة ثانية، بعد أن ظننا العام الماضي – بسبب فيروس كورونا - أنها لن تفتح أبدًا، فوالله الذي لا إله إلا هو إنها نعمة ما بعدها نعمة، كان حقًا علينا أن نشكر الله ما بقي لنا في أعمارنا. ونحمد الله ونشكره بأن أظلنا بشهر عظيم مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر، فقد جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوّعًا، وجعل من يتقرّب فيه بخصلة من الخير، كمن يؤدّي فريضة فيما سواه، وجعل من يؤدّي فيه فريضة، كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه. إنه شهر الصّبر، وهل ثواب الصبر إلا الجنّة؟! إنه شهر القرآن الكريم؛ دستور المسلمين والمعجزة الخالدة، فكل معجزات الأنبياء السابقين قد انتهت مع وفاتهم، إلا معجزة سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم"، وهي القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، معجزة خالدة متجددة تناسب كل عصر، فقد قال الله تعالى عن القرآن الكريم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر آية (9). شهر يزداد فيه رزق المؤمن، ومن فطّر فيه صائمًا – ولو على تمرة، أو شربة ماء، أو مذقة لبن - غفر الله ذنوبه، وعتق رقبته من النّار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. شهر يستحب أن نستكثر فيه من أربع خصال: خصلتان نرضي بهما الله عز وجل، وخصلتان لا غنى لنا عنهما، فأمّا الخصلتان اللّتان نرضي بهما ربنا: نشهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمدًا رسول الله، ونستغفره، وأمّا اللّتان لا غنى لنا عنهما: فنسأل الله الجنّة، ونتعوذ به من النّار. نعم هو شهر أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النّار، وها نحن قد بدأنا – أمس الجمعة – أيام المغفرة؛ كما وصفها النبي الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم"، ولكن من لا يرحم لا يُرحم، ومن لا يغفر لمن أساء إليه من البشر لا يغفر الله له، فهذه الأيام فرصة للرحمة والغفران والتسامح وصلة الأرحام ومساعدة المحتاجين. وقد بشرنا النبي "صلى الله عليه وسلم" بمغفرة الله لنا في رمضان عمومًا وفي وسط رمضان خصوصًا، فقال "صلى الله عليه وسلم": "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه". وهدانا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إلى اغتنام هذا الشهر الكريم، وأن نسعى للحصول على مغفرة الله فيه، وأن نؤدي فريضة الصيام على الوجه الأكمل، حتى نحصل على ثمرة الصيام وهي التقوى والرحمة والغفران والعتق من النار. كما وجب علينا أن نشكر الله تعالى ونسأله أن يعيننا على قيام لياليه وإحيائها بالصلاة والذكر والتسبيح والاستغفار وقراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه. كما نشكر الله سبحانه وتعالى على أن هدانا بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والتي تتنزل الرحمات فيها على من قامها وأحياها تائبًا منيبًا لله تعالى. كما أن كثرة الاستغفار من أسباب المغفرة في هذه الأيام المباركة؛ وخصوصًا في الثلث الأخير من الليل، وهو وقت السحر، فقال تعالى عن المتقين: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الذاريات)، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وقد جاء عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أنه قال: "إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: هل من تائبٍ فأتوب عليه؟! هل من مستغفرٍ فأغفر له؟! هل من سائلٍ فيعطَى سؤلَه؟! حتى يطلع الفجر". ومن نعم الله علينا أيضًا أننا نقوم في هذا الوقت لتناول طعام السحور، فعلينا أن ننتهز هذه الفرصة ونكثر من الاستغفار في هذا الوقت المبارك. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يعفو عنا ويجعلنا من المتقين.