د. شيرين الملواني تكتب البتكوين ذلك الغول الخفي الذي هجم على سوق المال العالمي في صورة عملة رقمية مُشفرة ومتداولة تحت مظلة شبكة الإنترنت بدون أي سلطة مركزية للإصدار وبدون وسطاء في ظل غياب جهات المراقبة والحماية، دُشِن ظاهريًا من قِبل شخص يُدعى ساتوشى ناكاموتو عام 2009. واختفى ساتوشى بعدها بعام، كتطبيق يمكن تنزيله على الكمبيوتر الخاص أو الجوال، مُستهدفًا شعارًا كاذبًا ألا وهو تغيير وجه الاقتصاد العالمى والتحول به للرقمى، ارتفع استخدامه بشراهة منذ نهاية أغسطس 2013 تحت مظلة صورية بضمان أريحية التعاملات كالدفع بين الأفراد من إرسال واستقبال أى مبالغ دون التقيد بحد أقصى أو أدنى أو الالتزام ببروتوكولات البنوك من رسوم ومدد زمنية. وكان القلق حليف اقتصاديات الدول الأجنبية التى أقرت مشروعيته وذاقت عواقبه فى سوق العملات الورقية، فأُجبرت البنوك على طباعة وضخ مليارات الدولارات، حيث ضخ البنك الفيدرالى الأمريكى ما يزيد على 2.3 تريليون دولار كمساعدات للشركات ليتفاجأ باستثمار 1.5 مليار دولار فى سوق البتكوين، وليس أدل على سوء مردوده من خروج تحذير وزيرة الخزانة الأمريكية منه فى تصريح رسمى تسبب فى هبوط العملة الورقية فى نفس اليوم لأكثر من 20%. وفى الأشهر الماضية سجل سوق العملات نشاطًا كبيرًا توج بصعود تاريخى للبتكوين؛ حيث تجاوزت قيمته 41 الف دولار وأرجع خُبراء المال زيادة الإقبال عليه لارتفاع نسبة البطالة بشكل غير مسبوق بسبب جائحة كورونا مما دفع الأفراد لفتح موارد رزق جديدة أو للحفاظ على ثرواتهم من خسائر الجائحة ومما ساهم فى ازدياد الطلب عليه ندرته؛ فحجم المتداول منه لا يعدو 21 مليون وحدة فقط، ومع توسع التداول طالت تلك العملة الافتراضية شبهة الدخول فى تمويل الأرهاب وغسل الأموال فأصبحت لمن يريد إخفاء أمواله ملاذًا وتحول الاستثمار بها لثروات غير مشروعة. وكان لتلك العملة مجهولة المصدر والتى لا يُعرف من المسئول عنها ولا من يحميها مردودها فى السوق المصرى السنوات الأخيرة، فوجد آلاف الشباب ضالتهم فى البتكوين بدءًا من نشاط استطلاعي على مواقع التواصل الاجتماعى من خلال جروب يضم حوالى 41 ألف شخص إلى نشاط تفاعلي يتم فيه التعامل بتلك العملة عبر وسيط مفوض، وتتم عمليات البيع والشراء تحت نظره لضمان جديتها الصورية كخطوة أولية لا يتبعها خطوات تأمينية، واتسعت الدائرة وظهرت قضايا النصب والاحتيال فى صورة (مستريح البتكوين) الذى سطا على حوالى 200 مليون جنيه من المواطنين الأشهر السابقة؛ مما أنذر بخطورة استجابة المجتمع لتلك العملة وتفضيل التعامل معها عن أى استثمار على أرض الواقع دون إدراك للعواقب. وبما أن مصر تسير فى خطوات اقتصادية واستثمارية صحيحة فى السنوات الأخيرة ولكى نجنى ثمارها فى القادم لابد من وقفة إيجابية لكل الجهات المعنية بدءًا من منع الإعلانات التى تنتشر فى بعض الصحف رافعة شعار "كيف تصبح مليونيرًا مع البتكوين" ويتابعها الآلاف، إلى قرارات هامة من قِبل هيئة الرقابة المالية والبنك المركزى يتم فيها تجريم العمل بتلك العملة وغلق كل مداخلها ومحاسبة متداوليها أو مُدشنى شركات خاصة لبورصتها ومُضاعفة الرقابة من مباحث الأموال العامة فيما يخص جرائم تهريب أو غسيل الأموال وعدم الاكتفاء بشعار عام 2019 كونها غير مسموحة دون إجراءات رادعة أو يتم منعها بفتوى من دار الأفتاء بكونها حرام شرعًا، ما سبق عالميًا يوضح حجم الكارثة التي ربما يقبل عليها العالم إذا فاجأت العملة الرقمية العالم بالانهيار فتضيع تلك المليارات في الهواء وأموال تلك الشركات والأفراد... وإن لم يحدث فمزيد من التكالب ووقف الاستثمار الحقيقي وبطالة وربما تضخم لم يصل له العالم من قبل.. وهو ما نسعى للفرار منه فى مصر منذ ست سنوات ما بين فتح آفاق استثمارية جديدة أو إنعاش لسوق العقارات أو تشجيع ومساعدة المشروعات الصغيرة مدعوم كل هذا بشبكة كبيرة للطرق، إذن فكل تلك الجهود تذهب سُدى أمام استثمار واهٍ افتراضي فى يد وسيط - مستريح - أو أشباهه تحت غطاء شبكة الإنترنت. وليذهب البتكوين للجحيم ومعه مجهوله.