حين أعلنت اليونسكو تخصيص يوم الحادي والعشرين من مارس يوما عالميا للشعر، كانت الأقدار قد رتبت أن يكون ذلك اليوم شاهدا على وفاة إسماعيل باشا صبري شيخ شعراء العربية، وميلاد نزار قباني شاعر الرومانسية، جمع بين الرجلين دراسة القانون، وسلطان الشعر، وحب الموسيقى، الأول انقادت له القوافي لتعيد للشعر هيبته تحت مظلة مدرسة "الإحياء والبعث"، والثاني رسم برقة كلماته صورة زاهية للمرآة لم ترسم لها من قبل، وفيما يلي قراءة لمسيرة "شيخ الشعراء" و"شاعر الرومانسية". إسماعيل باشا صبري.. شيخ الشعراء شيخ الشعراء، الشاعر القانوني، أحد أهم وأبرز شعراء العصر الحديث، وأحد فرسان مدرسة " الإحياء والبعث" في تاريخ الشعر العربي، حيث ارتبط اسمه بحركة النهضة الشعرية، وأطلق عليه زملاؤه شوقي وحافظ ومطران (شيخ الشعراء) ولد في 16 فبراير 1854م بالقاهرة، نشأ يتيماً والتحق بمدرسة المبتديان عام 1866م، ثم أكمل دراسته في المرحلة الثانوية في المدرسة التجهيزية، وأتم دراسته في مصر حتي عام م، وسافر بعد ذلك في بعثة إلى فرنسا ونال شهادة البكالوريا في الحقوق من جامعة اكس ليبان في 1876م، ثم حصل على إجازة الليسانس في الحقوق في 1878م. استقالة من الحقانية بسبب دنشواي شغل العديد من الوظائف حيث عين مساعداً للنيابة العمومية لدى المحاكم المختلطة ووكيلا لها في المنصورة في فبراير عام 1883م، ووكيلاً لمحاكم طنطا الابتدائية الأهلية في ديسمبر 1883م، ثم عين رئيساً لمحكمة الإسكندرية الأهلية في عام 1886م، وقاضياً بمحكمة الاستئناف الأهلية في عام 1891م، وبعدها نائباً عمومياً لدي المحاكم الأهلية في 1895م، وفي عام 1896 عين محافظاً للإسكندرية ثم وكيلاً لوزارة الحقانية في1899م، واستقال إسماعيل باشا في 1907م، وكان عمره وقتها 53 عامًا؛ احتجاجاً على محاكمة أحداث دنشواي. قصيدة الألف بيت ظهرت موهبة الشعر لديه وهو في سن ال16 ، حيث نظم شعراً في مدح الخديوي إسماعيل، وكانت أشعاره تُنشر في مجلة (روضة المدارس) تميز شعره بالرقة والعاطفة الحساسة، لم يهتم بنشر أو جمع أشعاره، وإنما كان أصدقاءه يقومون بنشر أشعاره خلسة، ولم يسع إلي إصدار أي ديوان لنفسه طوال حياته، ونُشر أول ديوان لأشعاره بعد وفاته بخمسة عشر عاماً في عام 1938م، وأصدره صهره حسن باشا رفعت، وكتب مقدمة الديوان عميد الأدب العربي طه حسين، ومن أهم قصائده القصيدة "النونية الكبرى" وبلغت ألف بيت، والقصيدة "الهمزية" الكبرى وبلغت ستمائة بيت. أشعاره بصوت الحامولي كما غنى أشعاره كبار مطربين عصره أمثال عبده الحامولي، ومحمد عثمان منها (الحلو لما انعطف) (خلي صدودك وهجرك) وتوقف عن كتابة الشعر عام 1915م. ساند الحركة الوطنية ورافض الاستعمار الإنجليزي وعُرف عنه وطنيته الصادقة، وأطلق اسمه على أحد شوارع مصر الجديدة تكريماً له، كما اُطلق علي اسمه أشهر شوارع منطقة بحري بالإسكندرية؛ وذلك لدوره البارز خلال فترة توليه المحافظة خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر. قال عنه الشاعر العراقي فالح الحجية في كتابه "شعراء النهضة العربية":"يمتاز شعر إسماعيل صبري بسمو الخيال وحب الفن والجمال وخفة الروح ورقة التشبيب فأتى شعره رقيقا يحفل بالموسيقى الشجية والذوق الرفيع وكذلك يتميز شعره بعاطفته القومية". توفي في 21 مارس 1923م بعد معاناة مع المرض، ودُفن في مقبرة الإمام الشافعي بالقاهرة. نزار قباني.. شاعر الرومانسية شاعر الرومانسية، شاعر النساء، تلك أشهر الألقاب التي أطلقت على نزار قباني؛ ليحجز مكانته بين أشهر الشعراء العرب في العصر الحديث، دبلوماسي بدرجة شاعر، وقانوني وهبته العدالة رقة النفس. ولد نزار توفيق القباني في 21 مارس 1923م، في مئذنة الشحم بدمشق، لأسرة عربية دمشقية عريقة، فجده أبو خليل القباني من رواد المسرح العربي، اهتم في صغره بالرسم والموسيقى وحاول تعلم عزف العود، فمنحه ذلك تعلقا بالموسيقى والكلمة الشاعرة. درس بالمدارس الأولية بدمشق، ثم التحق بمدرسة الكلية العلمية الوطنية، ظهرت موهبته الشعرية في سن ال 16 أثناء رحلة بحرية مع مدرسته إلى روما في أغسطس 1939م، حيث تدفقت أولى قصائده فسارع بكتابتها وأخفاها عن زملائه، تخرج عام 1945م من كلية الحقوق بجامعة دمشق، ثم التحق بوزارة الخارجية السورية، ونشر على نفقته الخاصة أول ديوان شعري له بعنوان "قالت لي السمراء" عام 1944م، وذلك قبل تخرجه من الجامعة وآثار جدلاً كبيراً. الدبلوماسي الشاعر انتقل إلى القاهرة موظفاً دبلوماسياً بالسفارة السورية، ومنها إلى عواصم أخرى مختلفة، فعُين في عام 1952م سفيرا لسوريا في المملكة المتحدة لمدة سنتين، وأتقن خلالها اللغة الإنجليزية ثم سفيرا في أنقرة، وعام 1958م سفيرا لسوريا في الصين لمدة عامين، وفي عام 1962م سفيرا في مدريد لمدة 4 سنوات. نزار بين الحرب والحب استجاب نزار لنداء الشعر ونحى الدبلوماسية جانبا، فأعلن في عام 1966م تفرغه للشعر وأسس في بيروت دار نشر خاصة تحت اسم "منشورات نزار قباني"، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث، حيث تناولت قصائده قضية حرية المرأة، وقدم 35 ديوانًا، بدأت بقصائد رومانسية، ثم تحول إلى الشعر السياسي بعد نكسة حرب 1967م، فكانت قصيدته "هوامش على دفاتر النكسة"، ومن أشهر دواوينه الشعرية "سامبا"، و"كتاب الحب"، و"مئة رسالة حب"، و"قصائد متوحشة"، و"كل عام وأنت حبيبتي"، و"قصيدة بلقيس" و"وأحلى قصائدي"، وغنى كبار المغنين كلماته منهم فيروز، عبد الحليم حافظ، محمد عبده، ماجدة الرومي، كاظم الساهر وغيرهم. حصل على جائزة سلطان بن علي العويس عن الإنجاز الثقافي في 1993م، وتزوج مرتين الأولى "زهراء أقبيق"، وله منها ابنه توفيق الذي توفي أثناء جراحة للقلب في عمر الثانية والعشرين، وابنته هدباء، والثانية زوجته "بلقيس الراوي" وتوفت إثر انفجار السفارة العراقية ببيروت عام 1981م، ورُزق منها بزينب وعمر، وتوفى بالمستشفى في لندن إثر أزمة قلبية في 30 أبريل 1998، ونُقل الجثمان على طائرة خاصة أرسلها الرئيس السوري ،ودفن بعد أربعة أيام فى الباب الصغير بدمشق تنفيذاً لوصيته.