عقب تصديق الرئيس.. 13 مادة مهمة تتصدر قانون العمل الجديد    في موسمه ال13.. جامعة بنها تحصد عددا من المراكز الأولى بمهرجان إبداع    انتظام الدراسة بعدداً من مدارس إدارة ايتاى البارود بالبحيرة    متحدث «الوزراء»: تنسيق كامل بين الجهات المختلفة لزيادة عدد الحضانات    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي العام الترم الثانى في القليوبية 2025    طلاب "طب بشري بني سويف الأهلية" يحصدون المركز الأول في دوري العباقرة    أسعار الخضروات في سوق العبور للجملة اليوم الإثنين 5 مايو    تراجع سعر اليورو اليوم الإثنين 5 مايو 2025 بالبنوك المصرية    وزير الإسكان: تخصيص 650 قطعة أرض للمواطنين الذين تم توفيق أوضاعهم بمنطقة الرابية    ارتفاع أسعار الذهب بالسوق المحلية اليوم الإثنين 5 مايو    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    رئيس تجارية القليوبية: تطبيق دعم المستثمرين نقلة رقمية تعزز ثقة رجال الصناعة    التحالف الوطني يشارك في معرض أبو ظبي الدولي ويبرز دور المرأة في مواجهة التحديات التنموية    ارتفاع حجم السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ل 12.566 تريليون جنيه بنهاية مارس    قرار غريب .. ترامب يفرض 100% رسوم جمركية على الأفلام الأجنبية المنتجة خارج هوليوود    «القاهرة الإخبارية»: غزة بدون طعام.. والاحتلال الإسرائيلي يواصل قصف المدنيين    رئيس حزب إسرائيلى: توسيع العملية العسكرية فى غزة لإنقاذ نتنياهو وحكومته    زعيم المعارضة في رومانيا يفوز في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية    الهباش: عباس يجتمع مع بوتين لبحث الوضع في غزة والعلاقات الثنائية في هذا الموعد    بعد الهزيمة المفاجئة أمام فاركو .. تعرف علي المباريات المتبقية لبيراميدز فى الدوري    صدمة لجماهير الأهلي.. صفقة واعدة تبتعد    لو تقدر تلعبه لعبه| شوبير يعلق على عودة زيزو للتدريب في الزمالك    ياسر ريان: عماد النحاس نجح في لم الشمل وكسب ثقة الكبار في الأهلي    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    أسئلة اختيارية بنسبة 85% ومقالية 15% . تعرف علي شكل ورقة امتحان الثانوية العامة 2025    أمطار رعدية.. الأرصاد تحذر من الظواهر الجوية اليوم    مروراً بالمحافظات.. جدول مواعيد قطارات الإسكندرية - القاهرة اليوم الاثنين 5 مايو 2025    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    مشاجرة بين الفنانة جوري بكر وطليقها داخل كمباوند شهير بأكتوبر    مصرع طفلتين «توأم» في انهيار جدار منزل بقنا    توقعات الأبراج اليوم.. 3 أبراج تواجه أيامًا صعبة وضغوطًا ومفاجآت خلال الفترة المقبلة    أسعار غير متوقعة لإطلالات عمرو دياب في حفل دبي    أكاديمية الفنون تحصل على 45 جائزة فردية وجماعية في مسابقة «ابداع»    بدرية طلبة تتصدر الترند بعد إطلالاتها في مسرحية «ألف تيتة وتيتة»|صور    نويرة بين كنوز موسيقار الأجيال ونجوم الأوبرا تجيد أداء أيقونات النهر الخالد "صور"    "صحة غزة": عدد الشهداء الأطفال تجاوز 16 ألفا.. والقطاع يشهد مؤشرات خطيرة    مركز طبي كفر شكر بالقليوبية يحصل على اعتماد هيئة الرقابة    الرعاية الصحية تنظم فعالية حول الوقاية من الجلطات الوريدية في مرضى الأورام    النحاس يبدأ دراسة نقاط القوة والضعف في المصري قبل مواجهة الخميس    شيخ الأزهر يستقبل الطالب محمد حسن ويوجه بدعمه تعليميًا وعلاج شقيقته    وزير الخارجية الإيراني يصل باكستان للتوسط لوقف التصعيد مع الهند بسبب هجوم كشمير الدموي    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 5-5-2025 في محافظة قنا    النشرة المرورية.. كثافات مرتفعة للسيارات بشوارع وميادين القاهرة والجيزة    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    تعرف على ضوابط عمالة الأطفال وفقا للقانون بعد واقعة طفلة القاهرة    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    وفاة طالبة جامعة الزقازيق بعد سقوطها من الطابق الرابع| بيان هام من الجامعة    أحمد علي: المنافسة على لقب الدوري اشتعلت بعد خسارة بيراميدز وفوز الأهلي    لأول مرة.. نيكول سابا تكشف سر على الهواء: «شئ صعب»    قصور الثقافة تواصل عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح 32    «المصرى اليوم» تحاور المكرمين باحتفالية «عيد العمال»: نصيحتنا للشباب «السعى يجلب النجاح»    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    وكيل صحة شمال سيناء يستقبل وفد الهيئة العامة للاعتماد تمهيدًا للتأمين الصحي الشامل    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    «مكافحة نواقل الأمراض»: عضة الفأر زي الكلب تحتاج إلى مصل السعار (فيديو)    قصر العيني: تنفيذ 52 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مات مبتسما لأنه كان متصالحا مع ذاته.. نهى يحيى حقى: أبى علمنى ثقافة الاعتذار


كان يحكى همومه وأوجاعه بطريقة فكاهية
الفول ولحمة الراس والخبيزة والملوخية أكلاته المفضلة
"كان يحكى همومه وأوجاعه بطريقة فكاهية، تجعلنى أضحك، لأنه كان يتمتع بملكة السرد وروح الدعابة" هكذا تحدثت الكاتبة "نهى يحيى حقى" عن والدها متعدد المواهب رائد القصة القصيرة، والإنسان النادر فى كل الأزمان الصعبة.
وبصوت خافت، وكلمات يملأها الحزن الممزوج بالفخر، سردت لنا جوانب إنسانية عظيمة فى حياة يحيى حقي، ربما لا يعرفها الكثيرون، فتحت نهى يحيى حقى صندوق الذكريات المليء بكل ما هو نفيس لدى مبدع كبير، فقد كان بالنسبة لها الأب الحنون الذى فتح لها أبواب عوالم مختلفة. كان دائما يغرس فيها حب الآخر، وكيفية جبر الخاطر، ويعلمها كيف تطبطب بالكلمات على من حولها، كان يرى الموسيقى تسمو بالنفس البشرية، فكتب كتابه "تعالى مع إلى الكونسير".
كان يحيى حقى يتعامل مع الأنماط الاجتماعية المختلفة، لذلك أحبه الجميع، وقد قالت زوجته الفرنسية إنه: "مات مبتسما لأنه كان متصالح مع ذاته".
كيف كانت علاقاتك بوالدك؟
بكلمات ملؤها الحزن قالت: القدر لعب دورا غريبا معى منذ نعومة أظفارى، ماتت أمى وعمرى ستة أشهر، وكان وقتها والدى يعمل فى القنصلية المصرية بفرنسا بحكم عمله كدبلوماسى وقتها، وتولت أمر تربيتى جدتى لأمى لسنوات حتى تزوجت، طبعا أول مرة التقيت فيها بوالدى كان عندى ثلاث سنوات وشعرت وقتها بشيء من الخوف والريبة، لكنه بطريقته الطيبة استطاع أن يحتوينى، وعندما بلغت سن السابعة، كنت قد تعودت عليه.
كان يهبط لمستوى سنى ليتعرف إلى طريقة وشكل تفكيرى فى التعامل مع الأشياء من حولى، بدأ يصطحبنى إلى عالمه، فكان يحرص على أن أزور حديقة الحيوان والسيرك، وأتعرف إلى هذا العالم، وضرورة الرفق بالحيوان.
كان يعلمنى قيمة الاستماع، لذلك أحضر لى راديو خاصا بى، فى وقت لم يكن أحد لديه راديو خاص به، باستثناء الراديو العجوز الموجود فى بيت جدتى، وكان يراقب جيدا ما كنت أسمعه، كما كان يحرص على دخولى عالم القراءة والكتابة، بدأ يشترى لى فى سن مبكرة من عمرى مجلات السندباد والقصص القصيرة.
هل قرأت قصصا لوالدك فى صغرك؟
للأسف لم أقرأ لوالدى فى صغري، وقتها كانت كتبه صعبة بالنسبة لي، لكنه كان يشترى لى كتبا باللغة الفرنسية، لأننى كنت أدرس بها، ومن أهم الكتب التى أتى بها لى كتاب "مذكرات حمار" كما قرأت "مذكرات دجاجة" لإسحاق الحسينى، كل هذه الكتب دفعتنى أكثر للقراءة، كما جعلنى والدى أهتم بكل شيء من حولي، ليس الإنسان فقط، بل عالم النباتات أيضا.
التأمل والاستماع من أهم العناصر التى كانت تميز عالم يحيى حقي، فما مدى حرصه على أن تهتمى بهذه الأشياء فى حياتك؟
والدى كان يحب التأمل، ولديه ملكة الوصف بشكل غير عادى وكان يفضل الاستماع لكل من حوله، لدرجة أنه كان يعطى إحساسا لكل واحد بأنه أهم شخص عنده، ذات مرة كنت أسير معه فوجدته يقف مرة واحدة، ليستمع إلى صوت البلبل ويتأمله، وكذلك صوت العصافير، كان يهتم بالحيوان وينادى بالرفق به.
سافرت معه إلى فرنسا وهناك اصطحبنى إلى متحف الإنسان، وكان بجانب برج إيفيل، هذا المتحف من يدخله يخرج منه عالما، لأنه كان يشاهد الحضارة وقصة الإنسان، وكيف تدرج عبر العصور فى شكله وهيئته عبر العصور المختلفة، أيضا أدخلنى متحف الشمع، واستمتعت به جدا، لأنى كنت أرى الشخصيات التى درستها أمامي، وكذلك دخلت متحف اللوفر وحكى لى تفاصيل كل لوحه به، كان يقف أمام اللوحات الشرقية كثيرا.
لماذا كان يحيى حقى مهتما بدرجة كبيرة بمسرح الطفل؟
والدى كان مهتما بدرجة كبيرة بعالم الأطفال، كان يحبهم بشكل كبير، وكان يحنو على أطفال العائلة والجيران وكل أطفال الحي، ويسعى دائما لعمل شيء يسعدهم ويدخل البهجة فى نفوسهم، وكان يفضل الطفل الذى لديه خيال واسع، يستمع له جيدا ليتعرف على عالمه، لذلك حرص على إرسال بعثة إلى خارج مصر لتعلم فن العرائس "الماريونيت" صراحة كنت محظوظة لوجودى فى عالمه.
من أقرب لك يحيى حقى المبدع أم الدبلوماسي؟
ضحكت قبل أن تقول: يحيى حقى الإنسان، كنت أتأمله جيدا عندما كان يقص على همومه، ورغم كم الوجع فيها، كان يحكيها بطريقة تجعلنى أضحك، له كتاب عبارة عن مجموعة مقالات مجمعة، من بينها مقال كان يرثى فيه والدتى السيدة نبيلة، ويصف لحظات موتها، ودموعه التى انهمرت لجلال وعظمة هذه اللحظة، وكتب قائلا: "إن للموت رائحة".
كان يقول: تربيت فى منزل ليست فيه عقدة الخواجة.. ما تعليقك؟
والدى كان مهذبا فى حديثه، لم أسمعه يوما ينطق بكلمة خارجة عن اللائق، ولم ألمس عنفا يوما فى حديثه، أو تعامله معى، كان يعلمنى دائما أن أطبطب بالكلمات على من حولي.
كان يعشق السيدة زينب، فقد نشأ فى هذا الحى العريق، وأمضى سنوات من عمره هناك، وسط الأنماط الاجتماعية المختلفة، ولأنه كان يحب التأمل والاستماع، فكان يتأمل حياتهم اليومية، ويتابعها عن كثب، ويستمع لكلمات الباعة الجائلين، وحى السيدة زينب كان يقطنه علية القوم وكبار الكتاب وقتها، ومنهم يوسف السباعى وعلى باشا مبارك، لم يكن حيا شعبيا بالمعنى الحرفى الذى نشاهده اليوم.
لبائع العرقسوس حكاية مع يحيى حقي؟
فعلا كان والدى دائما يحب الذهاب إلى السيدة زينب ليشاهد بائع العرقسوس، يمسك بيده الصاجات، وكان يصفه بسولست مصر الأول، كان ينظر إليه باعتباره فنانا، يعزف مقطوعة موسيقية خلال تجواله لبيع مشروبه من العرقسوس، فضلا عن أنه كان يعشق سماع أصوات الباعة الجائلين، وكان يحب الأكلات الشعبية، خصوصا "لحمة الراس" والفول والطعمية والملوخية والرجلة والخبيزة، رغم أن زوجته فرنسية كانت تصنع له أطعمة رائعة من المطبخ الفرنسى، كان يحزن جدا عندما يسمع أحدا يقول له إنه تركى أو يشبهه بالأتراك، كان يقول: "جابوا منين كلمة تركي، أنا مولود فى حى شعبى، ومعجون بمياه مصر لو عصرونى بمعصرة قصب لوجدوا آخر نقطة فى دمى مصريا حتى النخاع".
كان مهتما بمصريته جدا، طبعا سافر إلى بلدان عدة أسهمت بشكل كبير فى تشكيل وجدانه، وجعلته يهتم بعالم الفن، شاهد حضارات متعددة ومتميزة، لكنه لم يذب فيها، لأنه كان يقول إنه جاء من أهم حضارة فى العالم وهى الحضارة الفرعونية والقبطية وعاش فى عصور النهضة، صحيح تذوق من الحضارات المختلفة وتعلم منها لكن مصر بحضارتها سكنته حتى آخر يوم فى حياته.
كان مهتما أيضاً بالفن الكلاسيكى، والفن الشعبى؟
عام 1954 عمل مديرا لمصلحة الفنون كانت نواة لوزارة الثقافة، فقرر أن يقدم عملا فنيا مصريا لكل أفراد الأسرة المصرية، يهدف إلى تعريف المواطن المصرى بأهمية الفن الشعبى، وقتها كان زكريا الحجاوى، يعتبر رائد الفن الشعبى فى مصر، فأسند إليه والدى هذه المهمة، سافر وجاء بموسيقى كل محافظة والرقصات الشعبية التى تميز كل محافظة من محافظات مصر، وعملوا مسرحية كتبها على أحمد باكثير وقدموها على مسرح الأوبرا، وغنت وقتها شهرزاد لأول مرة دون ميكروفون وخرجت الرقصات الشعبية عن جميع محافظات مصر، منها التحطيب، فن الحجالة، بعد ذلك جاءت لهم فرصة للمشاركة فى مهرجان الشباب بموسكو، وكانت راقصة مصر الأولى فى الفن الشعبى وقتها الفنانة "نعيمة عاكف" وكانت معها راقصة بديلة "فريدة فهمى" طبعا ما حدث أن الفنانة نعيمة عاكف مرضت بإنفلونزا شديدة، فرقصت بدلا منها "فريدة فهمى" ونالت إعجاب الجمهور هناك، طبعا كان مدرب الراقصات محمود رضا، ومن هنا بدأ يفكر فى تكوين "فرقة رضا" وبدأت الفرقة تولد، ومن هنا بدأ يظهر شكل جديد للفن الشعبى، أيضا كان يحيى حقى يهتم بالفن الكلاسيكى، وكان يقول: "الموسيقى تطبطب على المشاعر والأحاسيس وتترجم ذلك إلى تصرفات راقية مع الآخرين".
خلال سفرك معه إلى فرنسا كيف كان الناس يتعاملون معه هناك؟
كنت أرى الجميع يحبه ويثنى عليه، ليس المثقفون فقط بل الناس البسيطة أمثال بائعة الورد والجرائد وغيرهم، عندما توفى والدى سافرت إلى فرنسا لأزور زوجته "جان" فى بلدتها التى كانت تبعد عن باريس بمائة كيلومتر، جاء سكان الحى لتقديم واجب العزاء فى والدي، بمن فيهم أصحاب محلات البقالة والباعة هناك، فهو كان يصاحب هذه الفئات ويتبسط فى تعاملاته معهم.
هل يمكن ان يكون يحيى حقى متفهما لما نراه الآن من موسيقا عجيبة؟
أنا متأكدة لو أن والدى كان يعيش فى الزمن الحالي، لم يكن لتعجبه مسلسلات العنف والمهرجانات، لأنه كان يركز ويهتم بمشاعر النفس البشرية ومدى رقيها.
إلى أى مدى كان يحيى حقى يحب نجيب محفوظ ويقدره؟
والدى كان دائما يقول: "أنا سعيد بأننى فى عصر فيه كاتب مثل نجيب محفوظ" لا يجود الزمان بمثله، وكما كان الغرب يتباهى بشكسبير وفيكتور هوجو، والدى كان يتباهى بنجيب محفوظ وبعالمه الروائي.
كيف كنت ترين جلساتهم؟
كانوا يجتمعون دائما فى المقاهي، كنت أشاهد والدى دائما مع توفيق الحكيم ومجموعة من الكتاب فى مقهى "بترو" فى الإسكندرية، كانوا يعيشون العصر الذهبى للأدب والإبداع، كانوا يكملون بعضهم البعض، كنت أعتبرهم بمثابة عقد لؤلؤ، كل حبة تكمل الأخرى ليكتمل العقد، لو قرأت كتابات والدى اليوم تجدينها كتابات معاصرة، وتناقش قضايا كثيرة وخطيرة، جميعهم كان عنده رؤية استشرافية لما هو حادث اليوم، أتذكر عندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل قال: "أهديها للأستاذ يحيى حقى، هو الذى يستحقها" ضحك والدى وقال: "أصله وجدنى أكبر واحد، أنا شيخهم" كان سعيدا بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وكان يقول: "نجيب محفوظ جعل كل كاتب يشعر بأنه حصل على هذه الجائزة" .
ماذا قال لك عندما وجهت له سؤالا عمن يستحق جائزة نوبل بعد نجيب محفوظ؟
قال: جائزة نوبل بعد ذلك ستأتى للعلماء، وكانت هذه النبوءة صحيحة، وفعلا حصل عليها د. أحمد زويل، كان يرى أن نجيب محفوظ رائد من الرواد الذين حصلوا على هذه الجائزة قولا وفعلا وفكرا، "ثلاثية نجيب محفوظ" كانت رائعة وكان يحيى حقى يقول عنها: لا يوجد كاتب عربى يستطيع أن يكتب مثل هذه الثلاثية، فعندما نقرأها نشعر بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
ما أهم المحطات فى عالم يحيى حقي؟
خروجه من القاهرة إلى صعيد مصر، وتحديدا منفلوط، لعب دورا فى تكوين شخصيته، وطبعا السيدة زينب شكلت وجدانه وفكره، بعد ذلك خرج كفرد مستقل بذاته إلى مكان يرى فيه أشياء لم يرها من قبل، كان دائما يقول: "رائحة الأرض لا أحد يشعر بها إلا إذا عاش بجوارها".
لذلك طالب بإدخال التكنولوجيا فى الزراعة؟
والدى كان مهتم بالأرض والفلاح، وإمتلك رؤية استشرافية فى كل المجالات المختلفة مثل الطب والعلم والسياسة، نظرا لكونه خريج مدرسة الحقوق العليا، الحقيقة أنا أنزعج كثيرا عندما أستمع إلى إعلاميين يتحدثون عن السيرة الذاتية ليحيى حقى، وأجدهم يقولون إنه خريج المعهد العالى للحقوق، وقتها لم يكن فيه معهد، بل مدرسة الحقوق العليا، وكان يدخلها علية القوم، للأسف عندنا فجوة بين الجيل الجديد والثقافة.
هل الإعلام مقصر فى حقه؟
لا... الحالة التى عليها البلد حاليا هى السبب، هناك كتاب كبار لا أحد يتذكرهم اليوم، ولدينا شعراء لا تأتى سيرتهم، كأن الشعر انطفأ من مجتمعنا، لذلك أرى أن المسيرة الثقافية والإعلامية تحتاج إلى وقفة.

كيف كان يرى التحولات التى طرأت على الشخصية المصرية؟
كان دائما يقول: إن الإنسان المصرى رغم التحولات التى تمر عليه عنده ذكاء بالفطرة.
كيف كان ينظر إلى المرأة؟
والدته كانت كل حياته ولم أجد أسرة تحب بعضها مثل "عائلة حقى" لم أجد يوما بينهم أى مشاكل من أى نوع، الأب كان يحترم المرأة ويقدرها، جدتى لوالدى درست فى الكتاب وحفظت القرآن وكانت تتذوق الشعر، ولعبت دورا كبيرا فى حياة والدي.
لمن كان يدين بالفضل؟
كان يدين بالفضل لصديقه العلامة "محمود شاكر" وكان أصغر منه، لكنه تعلم منه الكثير فى اللغة العربية.
هل من صديق كان يلجأ إليه وقت الضيق؟
محمود شاكر والسفير عثمان عسل كانا أقرب الأصدقاء إليه، وكان له أصدقاء شباب يحبهم، مثل صلاح معاطى ود.أحمد تيمور.
هل قرأ لك؟
طبعا قرأ لى رواية "اللقاء الثانى" وحضر معى تصوير حلقات المسلسل المأخوذ عنها.
متى قرأت له؟
قرأت له بعد وفاته، وأنا زعلانة جدا، وألوم نفسى كثيرا، لأننى لم أقرأه فى حياته، واكتشفت عالمه الإبداعى بعد رحيله.
هل تتذكرين النصائح التى كان يقدمها لك؟
كان دائما ينصحنى بأن أكون صادقة مع نفسي، كان الرياء مرفوضا فى حياته، وكان يقول تكلمى بمشاعرك، وعلمنى أن ثقافة الاعتذار مطلوبة.
كيف كان يرى مشاكل الأزهر والمثقفين؟
كان يدعو إلى تجديد الخطاب الدينى وتحدث عنه فى كتابه "خليها على الله" وبعض مقالاته.
كيف كان يستقبل النقد؟
كان يستقبل النقد برضا شديد قلت له "فيه كاتب قال إنك لم تكتب سوى قنديل أم هاشم" قال: لابد أن نتقبل النقد برحابة.
ماذا كنت تفعلين خلال اصطحابه لك إلى حى السيدة زينب؟
كنا نذهب لزيارة السيدة زينب ونقرأ الفاتحة ونذهب لأحد المطاعم لنتناول لحمة رأس ومخ وملوخية، فى سنواته الأخيرة وجدته يتخلى عن أكل اللحوم، ويهتم بالأطعمة النباتية.
ماذا عن طقوسه التى كان يمارسها بشكل يومى؟
كان يحب الذهاب إلى نادى هليوبوليس، ويحضر ندوات ويذهب للأوبرا حتى عام 1992، عمل أهم صالون ثقافى فى الأوبرا وكان يقدم فيه جيل الشباب.
كان يحب الليل جدا، ويفضل الكتابة فى الفجر، وقت شقشقة النهار، وكان يقول النهار يدخل تدريجيا، وكانت أغلب حواراته مع الصحفيين فى السابعة صباحا.
كان يتمتع بحس روحانى؟
فعلا لدرجة أن زوجته قالت: مات مبتسما لأنه كان متصالحا مع نفسه.
ما أبرز صفاته؟
كان يميل إلى روح الدعابة والضحك، وملكة السرد كانت موجودة فى كل حواراته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.