بدراسته المتميزة "أثر المدائح النبوية فى تعزيز القيم الإسلامية".. نال الباحث محمد ناصر محمد عثمان من علماء وزارة الأوقاف، درجة التخصص -الماجستير- فى الثقافة الإسلامية، تحت إشراف فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد محمد إبراهيم شحاتة أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، وفضيلة الأستاذ الدكتور غانم السعيد غانم عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر الشريف.. موضوع شيق، بديع.. استطاع من خلالها "ناصر" إثبات أن للمدائح النبوية أثرا طيبا فى تزكية النفوس.. وترقية الأرواح.. وترقيق القلوب.. وترسيخ قيم الإسلام الأخلاقية والإنسانية والجمالية.. وأن القرآن الكريم والسنة النبوية معينها الأول.. وكثير من الشعراء نهل من معانيهما.. إضافة لعدد من القضايا المهمة المستنبطة.. تفاصيل أشمل فى سياق السطور التالية. بداية نود تعريفا من فضيلتكم عن فن المدائح النبوية؟ يعرف الباحث محمد ناصر المدائح النبوية فيقول إنها اصطلاحا "فن من فنون الشعر التى أذاعها التصوف، وهى لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص"، ويلاحظ على هذا التعريف أنه قصر المديح النبوى على السادة الصوفية، مع أن هناك غيرهم مدح النبى صلى الله عليه وسلم؛ ولعل ذلك لاشتهارهم به، واهتمامهم بمدح النبى أكثر من غيرهم، وقيل فى تعريف المدائح النبوية أيضًا: "هى الشعر الذى يهتم بمدح الرسول وآل بيته وتعداد صفاته الخُلقية، والخلقية، وإظهار الشوق لرؤيته وزيارته". إذن نستطيع القول إن بدايتها منذ عصر النبى الحبيب؟ نعم، فالمدائح النبوية تُعَد من الأغراض الشعرية التى بدأت فى حياة النبي، ثم انتشرت بعد وفاته، ولا تزال قرائح الشعراء تجود بمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكلما تعاقبت على المسلمين الأحزان، والمصائب، ومتاعب الحياة، توجهوا إلى ربِّهم -جلَّ جلاله-، متضرعين إليه -سبحانه وتعالى- متوسلين إلى ذاته العلية بمدح خير البرية؛ كى ينجيَّهمُ من كربهم، ويُخرجهم من ضيمهم، وكلما زاد الحنين، وكثر الشوق لرسول الله، عبر الشعراء عن صدق حبهم لحضرته، ولِما للمدائح النبوية من أثر طيب فى تزكية النفوس، وترقية الأرواح، وترقيق القلوب، وترسيخ قيم الإسلام الأخلاقية، والإنسانية، والجمالية، نجد أن شعراء المديح النبوى قد ضمَّنوا شعرهم كثيرا من أخلاقه، وشمائله، وسيرته؛ ليقتدى الناس بهديه، ويتأثروا بأدبه، ويتخلقوا بخلقه العظيم. وما أهم ملامح وسمات ودور المدائح النبوية فى رأيك؟ المدائح النبوية منذ سيرتها الأولى، وهى تقوم بدورها فى الدفاع عن المصطفى، وفى نقض ما قاله شعراء قريش فى هجاء حبيب الله؛ حيث كان هناك بعض من شعراء قريش بمثابة محطة فضائية هجائية، مثل: أبى عزة الجمحي، ولقد كان من أبرز المدافعين عن صاحب الجناب العالي، والمتصدين لهؤلاء شاعر النبى حسان بن ثابت، والذى يعد شعره نواة المدائح النبوية، والنموذج الذى حاكاه كثير من شعراء المديح النبوى فيما بعد، وإذا كان شعر المديح النبوى فى الماضى وسيلة للدفاع عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فهو أيضا فى عصرنا الحاضر يقوم بتلك المهمة، ويتضح ذلك -على سبيل المثال- من خلال رد أستاذنا الدكتور أحمد عمر هاشم على الذين قاموا بالرسوم المسيئة إلى نبينا الإنسان الكامل. كما أن انتشار المدائح النبوية بين الناس قد ترك أثراً فى نفوسهم، وقبولا، ولولا ذلك ما أصبحت شغل المجالس المختلفة، ومادة الإنشاد فى كثير من المناسبات. ولم كان أسباب إختيار هذا الموضوع تحديدا؟ هناك أسباب كثيرة دعتنى لاختيار هذا الموضوع، ومن أبرزها أن دور المدائح النبوية فى الدفاع عن رسول الله فى الماضى والحاضر، وأصدائها فى الواقع داخليا وخارجيا، ولما لها من دور فى ترسيخ المبادئ والقيم الأخلاقية عند الأفراد، إضافة لتوجيه الدعاة ولفت أنظارهم إلى الاستفادة من المدائح النبوية فى الدعوة إلى الله تعالى. وكيف كانت أهداف دراستكم وبيان صلته بالتخصص؟ من أهداف دراستى بيان العمق التاريخى للمدائح النبوية، وإيضاح بعض خصائصها، واستنباط بعض القيم الأخلاقية، والإنسانية، والجمالية عند الحبيب صلى الله عليه وسلم، من خلال نماذج المديح النبوي، إضافة لإبراز دور المدائح النبوية فى تعميق القيم الإسلامية عند الأفراد والمجتمعات. أما عن بيان صلته بالتخصص، فتخصص الثقافة الإسلامية له دعائم وركائز يقوم عليها، منها "الدعوة والقيم والتراث"، وموضوع دراستى له صلة وثيقة بهذه الجوانب الثلاثة من الثقافة الإسلامية وهي: الدعوة: إذ إن المدائح النبوية تعد وسيلة هامة من وسائل الدعوة إلى الله، والقيم: فالمدائح النبوية تعمل على تعميق القيم عند الفرد والمجتمع، من خلال إبرازها للجانب الأخلاقى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتراث: حيث إن المدائح النبوية تعد جزءا مهما من التراث الإنسانى للأمة الإسلامية. وما القيم الأخلاقية التى حوتها المدائح النبوية وتناولتها فى دراستكم؟ القيم الأخلاقية التى حوتها المدائح النبوية، وتناولتها فى دراستى من خلال شواهدها فى المدائح النبوية وأثرها الخلقى على المجتمع: قيم الرحمة، والصدق، والكرم، والعفو، والشجاعة، والأمانة، والشكر، والعطف على الضعفاء، إضافة للقيم الإنسانية فى المدائح النبوية، ومنها: قيمة العدل، والشورى، والسلام، وعلو الهمة، والعلم، ووحدة الصف، والمساواة، كما تناولت القيم الجمالية فى المدائح النبوية، ومنها قيم الجمال، والهيبة والوقار، وطيب الرائحة. وكيف ترى أثر شعر المديح النبوى المتضمن لقيمة الرحمة على المجتمع مثلا؟ كان للمديح النبوى أثر بالغ فى تقويم السلوك، وتهذيب الأخلاق علىَ مرِّ العصور والأزمان، حيث إن شعراء المديح النبوى كانوا يهاجمون الظلم، والمساوئ الاجتماعية، وينبهون الناس على ضرورة التخلص منها، وللشعر أثر السحر فى النفوس، فمن شأنه أن يُحبب إلى النفس ما قُصِدَ تحبيبهُ إليها، ويكرِّهُ إليها ما قُصِدَ تكريهُه؛ لتحملَ بذلك على طلبه أو الهرب منه، ومن تلك القيم الإسلامية، التى عَملت المدائح النبوية على ترسيخها فى النفوس قيمة الرحمة، التى بين القرآن أنها صفة ملازمة للرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، فقال –جل جلاله-: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”، والمتأمِلُ فى هذه الآية المباركة يجد أنها تبدأ بكلام إخبارى هو (فبِمِا رحمةٍ من الله لنت لهم) فكأنه –سبحانه- يريد أن يقول: إن طبيعتك يا رسول الله، تتناسب لما يُطلَبُ منك فى هذه المسألة، هم خالفوك، ولم يستجيبوا لك، وهذا شئ يُغضِب، ولكنه لا يُغضبك؛ لأنك مفطور مع أمتك على الرحمة. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أمته إلى رحمة الناس جميعا، مبينا أن تراحم الناس فيما بينهم يجلبُ رحمة الحق –سبحانه-، فقال: “من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل”، ويعلق الشيخ محمد الغزالى على دعوة النبى إلى الرحمة العامة فى هذا الحديث السابق ذكره، وغيره من الأحاديث الدالة على الرحمة الشاملة، فيقول –رحمه الله-: “إن الرجل قد يهش لأصدقائه، ويرق لأولاده، بيد أن المفروض فى المؤمن أن تكون دائرة رحمته أوسع، فهو يبدى بشاشته، ويُظهِر رحمته لعامة من يلقى”، ويمدح الشيخ صالح الجعفرى المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه القيمة، فيقول: شَفِيْعِى رَسُولُ اللهِ، واللهَ أسألُ.. بِجَاهِ رَسُولِ الله عُسْرِى يُبَدَّل فَإنَّ رَسُولَ اللهِ للْخَلْقِ رحْمَةٌ.. وأرسَلَهُ الرَّحْمَنُ بِالْحَقِ يَعْدِلُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ قَالَ رَبِى مَادِحا.. لأوْصَافِهِ الحُسْنَى بِوَحْيٍ يُرتِّلُ وفى صفة الصدق يثنى الشاعر عباس الديب أحدُ مادحى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فالصِّدْقُ شِرْعَتُهُ، وَالجُودُ سُنَّتَه.. والنُّورُ غُرَّتُهُ، بُشْرَاكَ فَالْتَزِمِ يَا لَلْمَهَابَةِ فَالأنْوَارُ تَغْمُرُنَا.. يَا لَلْجَمَالِ كَأنِّى اليَومَ فِى حُلُمِ وما النتائج التى توصلت إليها فى دراستكم "أثر المدائح النبوية فى تعزيز القيم الإسلامية"؟ النتائج التى توصلت إليها فى دراستى "أثر المدائح النبوية فى تعزيز القيم الإسلامية أن للقرآن الكريم والسنة النبوية أثر واضح فى شعر المدائح النبوية، حيث نهل كثير من الشعراء من معانيهما، وأن المدائح النبوية بدأت فى حياة النبي، وأبرز من مدح رسول الله فى ذلك الوقت شاعره حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وأن اضمحلال شعر المديح النبوى فى العصر الأموى والعباسي، بسبب انشغال بعض الشعراء فى هذين العصرين بمدح الخلفاء والأمراء، وأن الإمام البوصيرى يُعد أستاذ فن المديح النبوى لا فى عصره فحسب، وإنما أيضا فى العصور اللاحقة، حيث احتذاه كثير من الشعراء فى العصر الحديث. كما حقق المديح النبوى تطورا، وازدهارا ملحوظا فى العصر الحديث، ويُعد شوقى ومحرم، والبارودى أبرز شعراء هذا العصر، ويعمل شعر المديح النبوى على تعميق القيم الإسلامية عند أفراد المجتمع، جنبا الى أن للمدائح النبوية دور بارز فى الدفاع عن النبى والقرآن الكريم، كما لها أثر بالغ فى الكشف عن شجاعة رسول الله، وهذا يتضح من خلال ديوان مجد الإسلام، أو الإلياذة الإسلامية لأحمد محرم، مع ما قام به المديح النبوى من دور كبير فى نشر السيرة النبوية، من خلال سرد مراحل السيرة المختلفة. ختاما.. ماذا عن توصياتكم لنرى أثر المدائح النبوية فى تعزيز القيم الإسلامية؟ توصياتى أنه ينبغى الاعتناء بشعر المديح النبوي؛ لأنه شعر جدير بالدراسة، وفيه الكثير من القصائد، والمقطوعات التى تفتح الأبواب للباحثين والدارسين، وهى خليقة بأن تُدرس، كما ينبغى جمع قصائدها الموزعة فى طيَّات الكتب فى دواوين شعرية، مع ضرورة إنشاء مراكز متخصصة للاعتناء بالإنشاد الدينى عموما، والمدائح النبوية خصوصا، والتأكيد على ضرورة إدخال شعر المديح النبوى ضمن المناهج التعليمية فى كل المراحل، كما ينبغى التركيز فى الإعلام المرئى والمسموع على بيان أهميته، وايضا ضرورة الاهتمام بترجمة المدائح النبوية إلى اللغات المختلفة؛ لتنتشر فى جميع أنحاء العالم.