لمصر وللمصريين علاقة جيدة ومتقدمة بالعالم الرقمي.. هذه العلاقة المتميزة، تسير بالتوازي والتناغم في العطاء والأداء، سواء القطاع الرسمي أو غير الرسمي، فإذا كان الطرف الحكومي في المعادلة الرقمية المصرية كان رائدًا وسباقًا في التعاطي مع هذا القطاع، فإن الطرف الأهلي والقطاع الخاص كان أيضًا مدركًا لهذا العالم ومدى أهميته.. لن نكرر ما يؤكد هذه العلاقة، عندما بدأت صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية نشاطها في مصر عام 1854، وافتتح أول خطوطها في عام ،1854 وأول خط تلغراف مصري، في عام 1881، ولن نضيف جديدًا عند التعريف بأول وزارة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في العالم العربي والإفريقي انطلقت من مصر في أكتوبر 1999.. وقد انعكس هذا الاهتمام على القطاع النشط؛ حيث سجل معدل نمو نسبته 15.2% العام الماضي 2020" وهي نسبة جيدة بكل المقاييس.. وعند الحديث عن الخروج من دائرة العالم الثالث إلى دائرة التطور والعالم المتقدم، دائمًا يقفز عنصر "التعليم" وأهميته ووضعه في صدارة الأولويات، كأول قطاع ومجال يجب الاهتمام به لتحقيق النمو المنشود والوصول إلى هذه النهضة .. ولأننا نعيش في عالم الثورة الصناعية الرابعة، حيث المدينة الذكية والتقنيات المتطورة وإنترنت الأشياء تحت مظلة الذكاء الاصطناعي، فإن التعليم هنا يصبح من البديهيات، بمعنى أنه لا يكفي التعليم فقط، بل لابد من التعامل مع العصر بلغته ومفرداته.. أي أن هناك ضرورة لإعداد جيل يجيد التعامل مع المستقبل الرقمي، في بيئة متطورة تشكل عنصرًا محوريًا للشركات والمشروعات غير النمطية.. ولتحقيق هدف هذا التطور، هناك ضرورة لإنشاء "مركز للابتكار والذكاء الاصطناعي"، ليوفر، هذا المركز المقترح، مناخًا ملائمًا للأفكار الخلاقة والمبادرات الذكية، وليحتضن ويحتوي النشء والشباب المصري فائق الذكاء، وما أكثرهم في مصر لا يجدون مثل هذا الكيان المقترح، ويتجهون بأفكارهم الخلاقة إلى الخارج، وكلنا يعلم الآلاف من قصص هذا الشباب الذي لم يجد المجال الملائم لمهاراته، ولم يتمكن من تحويل أفكاره إلى مشاريع في وطنه، فسعى إلى الخارج؛ حيث المجال الذي يوفر لأفكاره سبل النجاح.. نعم.. لدينا أكاديمية البحث العلمي المتخصصة في هذا المجال، ولكن في ظل وجودها على مدى يقترب من نصف قرن، مازال شبابنا لا يجد ترجمة لأفكاره التي تهاجر لتنطلق وتنجح في الخارج، شبابنا يبحث عن مركز يوفر له جودة وتنافسية وكفاءة تعزز لديه ثقافة الابتكار، وتوفر لرواد الأعمال خدمات ومنتجات رقمية تنافسية.. وهذه البيئة الرقمية المنشودة تتوافر في مصر قبل غيرها على المستوى العربي والإقليمي والقاري، فلدينا الكثير من المعطيات وأسس إنشائها، بدءًا من الإدراك الرسمي لأهمية هذا التوجه وتشجيعه المستمر له، فضلًا عن استيعاب العقل المصري لهذا القطاع والنشاط، فقد بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر أكثر من 60 مليون مستخدم، وهؤلاء يشكلون الفئة النشطة والفاعلة في المجتمع من الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، بل والفاعل في القضايا الرئيسية والحيوية.. وطبقًا لمؤشرات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فقد بلغ إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت في مصر عن طريق «الهاتف المحمول - الإنترنت فائق السرعة - ال يو إس بي» نحو 62.3 مليون مستخدم بنهاية سبتمبر 2020، وأن متوسط عدد مستخدمي الاتصالات أكثر من 3 ملايين مشترك جديد للإنترنت في مصر خلال شهر، وأن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مصر يبلغ 2 مليون مستخدم، في الساعة يسجلون حوالى 52 مليون زيارة. أمر إيجابي أن نتمتع بنمو رقمي في كافة المجالات والمستويات الأهلية والرسمية، العامة والخاصة فضلا عن التعاون والتنسيق بينهم، وهذا النمو يتماشى مع التطورات والنطاقات المذهلة وإرسال البيانات السحابية في العالم. ولا شك أن هذا المجال الرقمي لامحل فيه للأفكار النمطية أو التقليدية، وفي إيطاليا، على سبيل المثال، تم تعيين وزير جديد للابتكار التكنولوجي في الحكومة الجديدة "فيتوريو كولاو".. وإذا كان قطاع الاتصالات في مصر هو أكثر القطاعات نموًا ونشاطًا، فلا أقل من أن يكون إنشاء مثل هذا المقترح "مركز للابتكار والذكاء الاصطناعي"، نواة حاضنة لمصر لكي تصبح مركزًا إقليميًا وقاريًا للمجتمع الرقمي.. a_thabet@hotmailcom