الفارق بين غريق وآخر يكمن فى القدرة على السباحة مع التيار، وأسلوب مقاومة الأمواج العنيفة تفاديا للموت. وأثبتت التجارب التاريخية تفوق اللاعب الإيرانى فى هذا التحدى وصموده أمام الحشد الدولى لتحجيم نفوذه الإقليمى وترويض طموحاته النووية. وبقدر ما تمثل إملاءات الخارج «أوراق ضغط» على طهران لإرغامها على الالتزام ب «الحدود النووية»، بقدر ما تحدق أنظار نظام الرئيس حسن روحانى فى مخاطر الداخل الناجمة عن ضياع فرصة «اتفاق 2015» سواء على مستوى الغضب الشعبى أو الصراع بين المحافظين والإصلاحيين على السلطة. وبينما تستعد إيران لانتخابات رئاسية حاسمة فى يونيو المقبل، ترتطم أحلام روحانى فى البقاء بالحكم ب «الجدار العازل» بينه وبين أحوال المواطن الإيرانى التى تأثرت سلبا طوال عهد الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب. فقد كان الشعب على موعد مع الرخاء والانتعاش الاقتصادى ك«ثمار» للصفقة النووية فى ظل انفتاح الاستثمارات المتبادلة ورفع العقوبات التجارية وإلغاء تجميد الأرصدة الإيرانية فى البنوك العالمية، فضلا عن فك الحصار عن النفط الإيرانى والاستفادة من ثرواته فى علاج الكثير من أزمات الاقتصاد الداخلى وتحسين مستوى معيشة الإيرانيين. ودخلت كل هذه الآمال فى غيبوبة طويلة مدتها 4 سنوات تحت تهديد ترامب بالقضاء نهائيا على الاتفاق النووى، ليواجه المواطن الإيرانى «حرب الوجود» من ناحية، واشتعال المعركة بين الخصوم السياسيين من ناحية أخرى. وبسرعة البرق، تحرك المحافظون المعارضون للاتفاق النووى خلال الأيام الماضية ضد جهود الإصلاحيين لإحياء الاتفاق النووي، فمعسكر المتشددين يؤمن ب«غنائم» الصعود النووى التى تفوق صفقات «الإصلاحيين». فبحكم هيمنة المحافظين على البرلمان الإيرانى، أراد خصوم روحانى تجريده من ورقته الانتخابية الرابحة المتمثلة في الاتفاق النووي. وذلك، بتمريرهم مشروع قانون فى ديسمبر الماضى يقلل بدرجة أكبر من التزامات إيران النووية من خلال تحديد 22 فبراير الحالى موعداً أخيراً لرفع العقوبات الأمريكية. وبانتهاء المهلة أجبر البرلمان -بتحريض من المحافظين- النظام الإيرانى على منع عمليات التفتيش المفاجئ من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وشرعت طهران فى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم فى مفاعلاتها النووية إلى 20 ٪، وصولا إلى تهديد المرشد الأعلى لإيران على خامنئى بوصول النسبة إلى 60 ٪ إذا ما اقتضت الحاجة إلى ذلك على ضوء فشل إحياء اتفاق 2015. ولحين حدوث انفراجة فى هذا المشهد، يستمر المتشددون الإيرانيون فى سيناريو مرسوم للإطاحة بالإصلاحيين وإسقاط نظام روحانى فى الانتخابات الرئاسية المرتقبة، معتمدين على مساندة المرشد الأعلى وكلمته العليا التى تفرض نفسها بقوة على ميزان السلطة. إلى جانب، استغلال المأزق الحرج الذى حبس روحانى ومعسكره فى قفص الاتهام أمام الشعب الإيرانى، بعد أن تكبد خسائر مادية واجتماعية فادحة فى ظل سنوات الحصار. وأدت إلى تضاعف نسبة التضخم وارتفاع البطالة لتتفجر احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد الحكومة الإيرانية التى لم تجد سوى القوة لإخمادها وفك الاشتباك معها. ولجأ المعتدلون إلى وصم المتشددين الإيرانيين بلقب «تجار العقوبات» من واقع مصالحهم الاقتصادية الراسخة فى «اقتصاد سرى» يجنى الأرباح من خلال التهرب من قيود التجارة العالمية، والتى تصل إلى 25 مليار دولار سنويا، أملا فى تشويه سمعتهم وهز صورتهم فى ذهن الناخب الإيرانى وهو أمام صندوق الاقتراع. ولا ريب أنها تظل مغامرة غير مضمونة النتائج بعد أن فقد الاتفاق النووى بريقه فى عين المواطن الفقير. ولم يعد كافيا الآن لإقناعه بتجديد الثقة فى نظام روحانى، إلا مع رؤية فوائد اقتصادية فورية من وراء «إحياء الصفقة» فى مقدمتها انخفاض تكلفة المعيشة وأسعار المواد الغذائية الأساسية. وبخلاف ذلك يستطيع روحانى ورجاله تجهيز أنفسهم لترك مقاعدهم وإخلاء غرفهم ل«زعماء» المحافظين ليتعاملوا مستقبلا مع «فريق بايدن» وما يمكن أن يقدمه لإنقاذ «الصفقة النووية».