في عالم كرة القدم، ينص القانون التاسع على أنه عند خروج الكرة خارج الملعب لابد من إيقاف المباراة وإعادة اللعب، حيث يحدد الحكم من يقوم برمية التماس، وفي عالم الصفقات السياسية، هناك طرف يجب أن يقوم بالخطوة الأولى، أو أن يتنازل الطرفان عن بعض الشروط من أجل إتمام اتفاق ما إلا أن هذا لا ينطبق على الأزمة الإيرانية. فمع طي صفحة الرئيس السابق دونالد ترامب وإستراتيجيته «الضغوط القصوى» وانسحابه من الاتفاق النووي التاريخي « خطة العمل الشاملة المشتركة» التي تم التوصل إليه في 2015 بين القوى الكبرى وطهران ومحاولاته المستميتة لدعم مظاهرات إسقاط حكم المرشد علي خامنئي، مد الرئيس جو بايدن غصن الزيتون خلال حملته الانتخابية ومع دخوله البيت الأبيض حيث اعتبر الدبلوماسية مع طهران من أولويات الأمن القومي الأمريكي. ويوما بعد يوم، بدأت تتضح الملامح الأولى لاستراتيجية الإدارة الجديدة في التعامل مع هذا الملف شديد التعقيد. فقد وضعت إدارة بايدن استراتيجيتين تحت عنوان «أنت أولا» و «الامتثال مقابل الامتثال» كشرطين أساسيين لاستنئاف المفاوضات. وعندما سئل بايدن خلال مقابلة مع شبكة «سي. بي. إس» الإخبارية الأمريكية حول ما إذا كان سيتخذ الخطوة الأولى ببدء المفاوضات، قال «لا» وأومأ برأسه نافيا، إلا أن هذه الإيماءة لم تمر مرور الكرام. فرغم أنها تمثل أقوى رد علني بشأن طهران حيث تمهد لمرحلة غموض في العلاقات بين دولتين شهدتا عقودا من الصراع، إلا أن جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض فسرت لغة جسد بايدن بالقول إن التغيير في السياسات سيتم بشكل آخر بعيدا عن مجرد إيماءة بسيطة بالرأس. والمفارقة أن كلا من الدولتين تستخدمان نفس العبارة «الكرة في الملعب» مع شروط وخطوط حمراء. وتشترط أمريكا الالتزام ببنود الاتفاق النووي، والتراجع عن الخطوات التي اتخذتها إيران بتقليص التزاماتها النووية وعن شروعها في تخصيب اليورانيوم. وفي حالة الالتزام، فإن واشنطن ستستخدم ذلك كمنصة انطلاق لبناء اتفاق أقوى وطويل المدى. وفي يناير الماضي، أعلنت إيران استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 20%، وهو ما يتعدى الحدود المنصوص عليها في الاتفاق، كما نشرت فيديو لأقوى محرك صاروخي يستخدم منصة قادرة على إطلاق صواريخ طويلة المدى. في حين، تدعو الإدارة الجديدة إيران إلى التوقف عن كونها مصدرا لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط عبر التدخل في دول أخرى مثل العراق واليمن وسوريا، واستخدام وكلائها في المنطقة، والتوقف عن تهديداتها للحلفاء. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن «رعاية إيران للإرهاب في المنطقة لم تتراجع». بينما تشترط إيران «إجراءات تصحيحية» عبر رفع كافة العقوبات الدولية، محذرة من أن أمام بايدن مسارين: إما انهاء سياسات سلفه ترامب، أو البناء على أخطائه وهو ما سيتسبب في مزيد من الفشل. ومع هذا التشدد في الموقفين، إلا أن وراء الكواليس، اتخذت إدارة بايدن مقاربات ناعمة للتهدئة مع إيران. فقد اختارت الإدارة مجموعة من الإجراءات لإعادة بناء الثقة الضائعة مع طهران، حيث تم تعيين بعض الأسماء من مهندسي الاتفاق النووي خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ومن بينهم أنتوني بلينكين وزيرا للخارجية وويليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية «سي. آي. إيه، وكذلك ويندي شيرمان التي تعتبر رقم 2 في الخارجية وأول امرأة ترشح لمنصب نائب وزير الخارجية، والأهم المبعوث الخاص روبرت مالي، في محاولة لإثبات حسن النوايا. ومع تصريحات متناقضة بين التهدئة والتصعيد مع إيران، تعهد بلينكين بوقف التفكير الجماعي حول هذا الملف، في إشارة إلى أن 2015 يختلف جذريا عن 2021، وذلك في مسعى لتهدئة الأصوات المعارضة لمهادنة طهران خصوصا صقور الجمهوريين في الكونجرس المعارضين لعودة الاتفاق أو للشروع في اتفاق جديد. ومن بين الخيارات التي يتجادل حولها المسئولون الأمريكيون بخصوص إيران توفير الدعم لقرض من صندوق النقد الدولي لإغاثة طهران من تداعيات فيروس كورونا، وتخفيف العقوبات، حيث يمكن تبرير هذه التحركات بأسباب إنسانية. وخيار آخر في أن يوقع بايدن أمرا تنفيذيا ينهى قرار ترامب بالانسحاب من الصفقة النووية. لكن إصدار اعفاءات من «صفر» بترول ليس قيد الدراسة الجادة. كما أن من أكبر التحديات التي تواجهها الإداراة الجديدة أن العقوبات التي فرضها ترامب كانت تستهدف إيران بسبب رعايتها للإرهاب، ومن بينها استهداف البنك المركزي الإيراني. وأعلن مسئولون أمريكيون أن الإدارة بادرت عبر رسالة لمجلس الأمن الدولي بسحب إعلان ترامب، حول إعادة فرض كل العقوبات على إيران في سبتمبر الماضي. كما خففت قيود السفر المفروضة على دبلوماسيي البعثة الإيرانية لدى الأممالمتحدة. لكن ربما يكون العامل الرئيسي الذي يترك للولايات المتحدة نافذة ضيقة للدبلوماسية، هو تحديد موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو والصراع المحتدم بين المتشددين والإصلاحيين.