تكتب صدر أخيرا بباريس كتاب «مذكرات القاهرة» ذكريات جد يهودى من مصر بقلم رونالد شيكوريل يكشف الكثير عن تاريخ مصر المعاصر من خلال حفيد مؤسس محلات شيكوريل التى كانت تبارى فى مصر جاليرى لافاييت بباريس، والذى سجل فيه نشأته بضاحية المعادى، وطفولته قبل وفى أثناء وبعد أحداث 1956... ومغادرته القاهرة.. يصف التغيير الراديكالى فى أسلوب حياة اليهود الذين تركوا مصر، وأزمة الاندماج فى أوروبا... ويؤكد أنه كان لابد أن يفهم الماضى من أجل بناء المستقبل... كتب رونالد الكتاب من أجل حفيده حتى لا يسمع تاريخ وجذور ونجاح عائلته من أحد لم يعشها مباشرة، شرح للحفيد أنه ولد فى بلد الأهرامات المبهرة، وأنه يمتلك تاريخا ثمينا فريدا.. يعرب عن أهمية نيل مصر بالنسبة للمصريين، ويصف صحراء وهضاب مصر الرملية، يتحدث رونالد الجد الذى تجاوز السبعينيات عن القاهرةوالإسكندرية فى الزمن الجميل، وكيف حظيت تلك المدن «الكوسموبولينية» بتعدد الجنسيات والاديان.. وحافظت على الثقافات والتبادلات التجارية الدولية.. يؤكد أن مصر فى النصف الأول من القرن العشرين كان لها إطار مختلف، وذوق رفيع يواجه فقرا وجهلا غير محتمل، وأن العطور كانت تنطلق من أسواق القاهرة قبل باريس ونيويورك، كما تعايشت فيها المجتمعات المختلفة من العرب والأقباط واليهود والنازحين من فرنسا واليونان وإيطاليا وسوريا ولبنان وتركيا فى ود وسلام... أسرته بالمعادى كانت تحتفل بعيد المسيح وتقيم الاحتفالات فى رمضان... يصف بدقة محطة قطار المعادى وشارع تسعة ومحل بيع الكلاب الصغيرة، ونادى اليخت وبياع العرقسوس.. كانت الأسرة تنتقل فى الصيف بين أوروبا والإسكندرية وتسكن عمارة ضخمة بناها خاله، حيث شغلت محلات شيكوريل الشهيرة الأدوار الأولى.. يصف رحلاته على سفينة «ايسبيريا» التى كانت تغادر من الإسكندرية إلى شواطئ المتوسط، ليلتحق بعد ذلك إلى مدرسة داخلية صيفية بمدينة «فيلار» بسويسرا ليتعرف على نجل شاه إيران.. وفى عامه السابع يشرح التغيير الراديكالى فى حياته عندما أخطره المدرس أنه لابد أن يعود إلى البيت فاستقل سيارة يتقدمها عسكرى على موتوسيكل ووجد المنزل بالمعادى محاصرا بالعساكر... واضطلع خمس عشرة سنة بعدها على ما جرى فى ثورة 1952 وتفاصيل حريق القاهرة، وتنازل الملك عن العرش... ولأن الجالية اليهودية كانت مستهدفة انتقلت عائلته من المعادى إلى الزمالك، كما أن والده بمساندة الجنرال نجيب قرر إعادة بناء محلات شيكوريل بالقاهرة، وتطوير محلات «اوريكو» الأكثر شعبية... يقول «رونالد» إن والده كان يشعر دائما بمصريته، ولم يغادر القاهرة عام 1952 وأنه كان قد حارب فى الجيش المصرى بالعلمين، وكان قاضيا بالمحكمة التجارية... وكان اصدقاؤه مصريين من جميع الجاليات، وساهمت عائلته فى انشاء بنك مصر وشغل عمه جوزيف شيكوريل منصب المدير العام المنتدب، وشاركت عائلة شيكوريل فى طفرة إنتاج مصر من القطن، أما جده مورينو شيكوريل فهو مدفون بمصر... سالفاتور والده كان مصريا قبل أى شىء وسخر جميع علاقاته وتجربته لخدمة وطنه إيمانا بأن مصر هى موقع المواطنة العالمية والتعددية الثقافية... يصف مصر عام 1870 بمناسبة مغادرة جدهتركيا إلى القاهرة التى كانت تتمتع بامكانيات اقتصادية فى عصر محمد على لينشئ محلا بالسوق الصغيرة قبيل محلات شيكوريل الفاخرة، ويشير إلى أن السادات كان قد أرسل خطابا إلى والده يطالبه بالعودة إلى القاهرة، وأن أملاكه سوف ترد إليه، لكن والده سالفاتور كان قد توفى بلوزان فى أكتوبر 1976 وسلمته والدته الخطاب ليجيب على الرئيس السادات... يصف أجواء القاهرة خلال حرب 1956 وحسابات جى موليه الخاطئة بأن عبدالناصر قد يتراجع عن تأميم القناة، وكيف تعقد الموقف بالنسبة لثمانين الف يهودى مصرى. ليس غريبا أن يتصدر الكتاب قائمة الأعمال الأكثر توزيعا، فالجد اليهودى المصرى عاشق لمصر ومصر «ولع» لكل من تشرب الثقافة الفرنسية!.