* نخضع لضغوط كبيرة لتحجيم دورنا..وتعاملات مؤسسات العمل العربى «البينية» مرتبكة * د. فاديا كيوان: حضور طاغٍ للمرأة المصرية سياسيا..ونهتم بدعم مشاركتها عربيا * النمو السكانى يتزايد بين الفقراء والمعدمين.. ويجب توافق سياسات تنظيم الأسرة مع العادات والتقاليد تعزيز «أدب الأطفال» ضرورة لدعم قيم المساواة ومناهضة التمييز رغم المكاسب والحقوق التى استطاعت أن تحصل عليها المرأة خلال السنوات الأخيرة، بعد نضالها عقوداً طويلة من أجل نيلها، فإنها لا تزال تخوض كفاحا مستمرا لتثبيت تلك الحقوق ونيل المزيد منها، فكثيرة هى المعوقات التى تواجه المرأة فى مجتمعنا العربي، إذ يرتبط ذلك كثيرا بالعادات والتقاليد أو بالثقافة ومدى تقبل المجتمع لتغييرها، وبمناسبة عقد منظمة المرأة العربية، التى تعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية، مؤتمرها الثامن تحت عنوان « المرأة العربية والتحديات الثقافية» أجرينا هذا الحوار مع مديرة المنظمة، د. فاديا كيوان، وإلى الحوار.. حمل عنوان مؤتمر المنظمة الثامن (المرأة العربية والتحديات الثقافية)، فما الجديد الذى يضيفه المؤتمر للحراك النسوى فى المنطقة؟ وكيف يمكن أن تؤثر نتائجه فى واقع المرأة العربية؟ جاء اختيار العنوان (التحديات الثقافية) موضوعا للمؤتمر العام الثامن للمنظمة، استكمالاً للائحة القضايا الأساسية التى تتصل بعمله ومهامه، التى سبق أن تناولتها المؤتمرات السابقة للمنظمة، مثل قضايا التنمية المستدامة والأمن والسلام. وعلينا أن نتوقف كثيرا عند موضوع (التحديات الثقافية) اليوم، إذ يسمح لنا بإجراء مراجعة شاملة وتقييم لما كانت عليه النضالات من أجل حقوق المرأة فى العقود السابقة، وأين وصلنا وأين نحن من موضوع إقرار مساواة المرأة مع الرجل وتأمين احترامها وإعلاء شأنها. لقد شهدت كل الدول العربية ولا شك تقدما ملموساً فى هذه القضايا، لكن تظل لدينا فى الوقت نفسه عثرات تواجه استمرار التقدم، وفى هذا الإطار حاول المؤتمر أن يضع الإصبع على هذه العثرات، ويكشف على وجه التحديد ما نسميه (المقاومة الثقافية) التى تعوق التقدم فى ملف المرأة . إن التحديات الثقافية ترتبط أساسا بالذهنيات الاجتماعية، إذ إن هناك مقاومة فى أذهان الناس لأى تغيير جذرى فى أوضاع المرأة، نتيجة لصور نمطية ثابتة، ولذلك نجد أنه رغم التقدم فى مجالات كثيرة مثل المشاركة السياسية والاقتصادية والثورة التشريعية تظل هناك كلمة (ولكن..)، وهنا يكمن التحدى الثقافى فى تغيير الذهنيات، وتتمثل مساهمة المؤتمر فى أنه قد يقدم بعض المقترحات التى ستستأنس بها المنظمة فى برامجها اللاحقة. فلدينا فى المنظمة بالفعل برنامج للثقافة والتربية، لكن توصيات المؤتمر طالبت بمضاعفة الجهود، ليس جهود المنظمة فحسب وإنما الحكومات كذلك فى المجالات التربوية، والتنشئة، والإعلام، وفى إنتاج ثقافى سليم بوجه عام. ما تقييمكم للجهود الحكومية العربية فى مجال حقوق المرأة؟ وكيف تقرءون حضور المرأة فى الحياة السياسية فى مصر اليوم؟ نلمس جهودا فى كل الدول العربية على مستوى السياسات العامة لدعم حقوق المرأة وتأكيد مشاركتها فى جميع الميادين، ونرى أن الموقف الحكومى اليوم هو موقف أكثر انحيازا لقضايا المرأة، وأكثر تفهما وإيجابية، وهذا أمر أكيد لكنه متفاوت من دولة عربية إلى أخرى. وفى مصر اليوم، هناك حضور لافت للنساء فى الحياة السياسية . ولابد أن نقرأ الانتخابات الأخيرة فى مصر بشكل دقيق، لأن الأنظمة الانتخابية لها آثارها أولاً على عدد النساء، وثانياً على فاعلية حضورهن السياسي. وما يهمنا بصورة عامة فى مصر وفى سائر الدول العربية هو استدامة الحضور النسائي، وألا تكون المرأة موجودة بقوة فى مرحلة ثم تقل مشاركتها فى مرحلة أخرى. إن الأنظمة الانتخابية لها أثرها المهم فى إعطاء الفرص للمرأة، ولابد من وجود دراسات مقارنة حول أفضل النظم الانتخابية الداعمة لوصول النساء إلى المجالس النيابية، لكن لابد من العمل أيضًا على استكمال هذا الإطار القانوني، ببرامج لدعم المرأة السياسية وتعزيز حضورها النوعى إلى جانب الحضور الكمي. أينما وجدت المرأة وجد العنف، فلا تزال نسب تعرض المرأة للعنف فى مجتمعاتنا العربية تشكل ظاهرة مخيفة، برغم وجود التشريعات، ما قراءتكم لهذه الظاهرة؟ ظاهرة العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية، أنا لا أعتقد أبدا أن هناك عنفا فى الأسر العربية أكثر من العنف الموجود فى الأسر على مستوى العالم، وزيادة الحديث اليوم عن العنف فى الأسرة أو أشكال العنف المختلفة ضد المرأة والفتاة فى الدول العربية، يرتبط بالنزعة إلى الكشف عن كل شىء ، أى أن العنف برأيى لم يزد بل أصبح ظاهراً لأن هناك من يُظهره ويتحدث عنه. فهناك أولاً وسائل الإعلام التى باتت تدخل إلى كل زاوية فى كل بيت، ووسائل التواصل الاجتماعى التى تُعمم الأحداث والأخبار والصور، والضحايا بتن يتحدثن عن الحوادث التى تطولهن، هذا كله أوجد شعورًا بأن هناك ظاهرة كبيرة من العنف ضد المرأة، رغم أن هذه الظاهرة موجودة ولم تتزايد، هى موجودة فى كل الأوقات وفى كل الدول، لكن فى الدول العربية بات الحديث عنها مكشوفاً، بينما فى الماضى كان من «التابوهات». والأهم من كل ذلك أن التشريعات تتقدم تدريجيا، لقد وضعت أغلبية الدول العربية قوانين خاصة لحماية المرأة والفتاة من العنف، وهذه القوانين حديثة إلى حد ما، فالتحدى الكبير هو أولاً فى إنفاذ القوانين، وثانياً سد الثغرات فيها، وثالثاً معاقبة المرتكبين فعليا. برأيى إنه إذا كان هناك بالفعل زيادة فى العنف بحق النساء على المستوى العالمي، فهذا راجع إلى ميوعة العقوبات؛ لأن العقوبة وظيفتها أن تُثنى الإنسان عن العنف، ودون قوة القانون تسود شريعة الغاب، أى أن القوى يأكل الضعيف. وأهم عقوبة هى العقوبة الاستباقية، أى التى تتوعد وتكون متشددة جدا وجدية، وبالتالى تُثنى الناس عن اللجوء إلى العنف ضد النساء أو ضد الضعفاء بصورة عامة، وما يهمنى بصورة خاصة هو أن ألفت النظر إلى العنف الشديد والقاسى جدا بكل أشكاله الذى يلحق بالنساء والفتيات فى أوساط النازحين بسبب الحروب والنزاعات المسلحة فى العالم العربى وهذه ظاهرة مؤلمة فعلاً، لم يجر التعامل معها بما تتطلبه لا سيما على مستوى احتضان الضحايا ومعاقبة الفاعلين وتوفير الحماية. ما رؤية المنظمة لمواجهة مشكلة الزيادة السكانية التى تشكل عائقًا أمام التنمية الاقتصادية فى الدول العربية؟ فيما يتعلق بقضية الزيادة السكانية، إذا ما نظرنا إلى الأرقام والاحصائيات، نجد أن التكاثر السكانى يتقاطع مع الفقر، بمعنى أن معدل الولادات الجديدة يزيد بشكل ملحوظ فى الأوساط الفقيرة والمعدمة . وهذه فى الواقع ظاهرة عالمية، وموضوع شديد الحساسية يجب أن يُعالج من خلال سياسات حكومية ، ومن خلال حملات ثقافية توعوية تستهدف كل الفئات الشابة من الجنسين. فمن ناحية، يجب أن تكون هناك سياسات لتنظيم الأسرة بشكل هادئ وبطريقة تتفق مع العادات والتقاليد. ما تقييم المنظمة لاستجابة الحكومات العربية لجائحة «كوفيد 19» وآثارها على النساء بصفة خاصة؟ من العلامات الإيجابية فى هذه المرحلة أنه كان هناك تجاوب قوى من أغلبية الحكومات العربية مع تداعيات كورونا وهذا أمر يدل على التزام أكبر تجاه قضية العناية بالمرأة والفتاة ، حيث أظهرت الوقائع أن الجائحة قد أضرت بالنساء والفتيات أكثر من الرجال، لأن النساء بوجه عام هن الفئة الأضعف والأكثر هشاشة فى المجتمع ، وعادة ما يتضرر الضعفاء من الكوارث- بأنواعها- أكثر من الأقوياء، والقوة هنا تعنى القدرة على حماية النفس والدفاع عنها والنجاح فى السعى لإيجاد الأمان ، أما الضعفاء فى المقابل فيفتقرون للحماية والأمان. من واقع خبرتكم فى المجال الحقوقى وقضايا المرأة، ما رؤيتكم لأهم التحديات التى تواجه المرأة العربية فى المرحلة الراهنة؟ وما استراتيجية المنظمة للتعامل مع هذه التحديات؟ بنظري، هناك تحديان رئيسيان خلال المرحلة الحالية : التحدى الثقافى والتحدى الاقتصادي. وأمام اشتداد أثر الأزمات الاقتصادية والمالية على المستوى المحلى والإقليمى والعالمي، فإن على المرأة أن تكون أكثر نشاطا وأن تسعى لإدماج نفسها فى الحياة الاقتصادية لكى تتحول إلى مواطن منتج وتسهم فى تغطية أعبائها وأعباء أسرتها وفى زيادة الإنتاج القومي، أى أن على النساء أن يكنّ أكثر نشاطاً فى الحياة الاقتصادية. فحتى الآن يظل متوسط مشاركة المرأة فى الحياة الاقتصادية فى المنطقة العربية متدنيا جداً مقارنة بالنسب العالمية. ولمواجهة هذا التحدى، لابد من مضاعفة الجهود لتمكين النساء من المشاركة الاقتصادية الفاعلة، يتطلب هذا إمدادهن بالمهارات اللازمة، كما يتطلب تطوير الأطر القانونية التى تنظم حضورهن فى المجال العام وفى المجال الاقتصادى بوجه خاص. أما بالنسبة للتحدى الثقافي، فالأمر يتعلق بتغيير الأفكار والسلوكيات لدى المجتمع ككل ولدى النساء أيضًا، لأنهن يسهمن أحياناً فى إعادة إنتاج أفكار معيقة للمرأة وغير مقدرة لمكانتها ولأدوارها. تغيير الثقافة عملية معقدة وتتطلب وقتاً طويلاً وتسير عبر مسارات عدة، تتضمن تطوير السياسات العامة، وتنقيح المناهج التربوية والكتب المدرسية وتطويرهما، وتعزيز ظهور أدب أطفال داعم لقيم المساواة ومناهض للتمييز، والعمل على محاربة الصور النمطية عن أدوار الجنسين، لاسيما فيما يتعلق بالصورة السلبية للمرأة فى كل الإنتاج الإعلامى والثقافى الموجه للمجتمع. وهذه مسئولية مشتركة يتحملها الرجال والنساء والمجتمع بأكمله. وفى منظمة المرأة العربية لدينا قسط من هذه المسئولية وسنتحمله إن شاء الله. كيف ترون مستقبل العمل العربى المشترك فى مجال قضايا المرأة؟ فى مجال قضايا المرأة هناك بالتأكيد قيمة مضافة للتعاون العربي، وفى ظل تفاوت المسارات الوطنية لنا جميعا أن نستفيد من قصص النجاح وأن نتبادل الخبرات وأن نأخذ العبر. ولكن أنا قلقة بعض الشىء على التعاون العربى فى هذا المجال، لأن المرحلة فيها إرباك فى مؤسسات العمل العربى المشترك الخاصة بالمرأة. والمنظمة تخضع لضغط كبير جدا لتحجيم دورها.وكوننا نتحدث إلى الرأى العام علينا أن نكون صادقين وصريحين ليعرف الرأى العام كل شىء ويكون له موقف من كل القضايا.