الحب من المشاعر الإنسانية التي تشكل لغزا كبيرا حير العلماء منذ الأزل، وعجز معظمهم عن كشف أسراره، وتفسير ما يحدث داخل جسم الإنسان عندما يقع في الحب، كما عجزوا في الإجابة عن بعض التساؤلات المعتادة مثل: من المسئول عن المشاعر والأحاسيس العقل أم القلب؟ وهل يتحكم العقل في مشاعرنا أم لا؟ وحاولت عالمة النفس الشهيرة ليزا فيلدمان باريت الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال أبحاث امتدت سنوات طويلة لكشف أسرار المشاعر، وحقيقة تكوينها، ومدى تأثير العقل عليها. أمضت ليزا فيلدمان باريت، عالمة النفس بجامعة نورث إيسترن في بوسطن، حياتها المهنية في دراسة الطرق التي تبنى بها العواطف والمشاعر، وذكرت مجمل ما توصلت إليه أخيرا في كتاب يحمل اسم «كيف تصنع المشاعر» الذي جمعت فيه نتائج أبحاث ودراسات امتدت خمسة وعشرين عاما. وحرصت باريت خلال هذه الأعوام على دراسة تعبيرات الوجه، وتصوير الأدمغة وتحليل المئات من الدراسات السابقة المتعلقة بوظائف الأعضاء لكي تفهم ماهية المشاعر. وتوصلت إلى أن الإنسان يمتلك القدرة على التحكم في مشاعره بشكل أكبر مما يظن الكثيرون، وأن العقل مسئول عن صنع المشاعر، لذا فالإنسان لا يقع تحت سيطرة مشاعره، بل يمكنه التحكم فيها. وفي البداية أوضحت باريت إمكانية حدوث تفسير خاطئ لبعض المشاعر التي قد تتشابه في الأعراض الفسيولوجية المصاحبة لها، وأشارت إلى أنه على الرغم من أننا نعتقد بقوة أننا ندرك ما نشعر به من أحاسيس، فإنها تؤكد أن أحاسيس الغضب أو القلق أو المرض في بعض الأحيان لا يمكننا التمييز بينها بشكل كبير، وقد نسيء أحيانا تفسير هذه الأحاسيس، مما قد ينتج عنه عواقب وخيمة. على سبيل المثال قد يشعر الفرد بألم في المعدة، وحرارة في الجسم، وضربات قلب سريعة، فهذه الأحاسيس الجسدية من الممكن أن يفسرها الفرد بأنها مشاعر حب أو غضب أو قلق أو مرض لأن جميعها تتشابه في الأعراض. وتضيف باريت أن الظروف المحيطة مسئولة عن تحديد نوع المشاعر التى تتملكنا، فإذا كان الفرد مقبل على موعد مع حبيب تفسر على أنها مشاعر حب، وإذا كان مقبلا على أداء اختبار تكون مشاعر قلق، وإذا كان في مناقشة حادة مع أحد زملائه في العمل فهو غاضب، أما إذا كان في المنزل جالسا في السرير وإلى جواره الترمومتر فهو مريض. بصمات عاطفية لاشك أن ما توصلت إليه باريت لا يتوافق مع النظرية التي أطلقها تشارلز داروين 1809 - 1882 ميلادية بأن الإنسان لديه «بصمات عاطفية» والتي عرضها في كتابه «تعبير العواطف في الإنسان والحيوان». والمقصود بالبصمات العاطفية أن العواطف والمشاعر الإنسانية لها بصمات مثل بصمات الأصابع أي أن كل عاطفة تخلق مزيجا محددا من تعبيرات الوجه، ولغة الجسد، والأعراض الفسيولوجية الأخرى مثل معدل ضربات القلب أو تعرق راحة اليد أو ألم المعدة وغيرها من الإشارات والأعراض الفسيولوجية. وذكرت باريت مثالا آخر تؤكد من خلاله وجهة نظرها حيث قالت: إن آلام المعدة قد تشير إلى وجود عدوى في القناة الهضمية، وإذا كان الفرد بعيدا عن عائلته، فقد يحدث خلط بين الشعور بالمرض أو الشعور بالحنين إلى الوطن والشوق إلى العائلة. ويمكن تفسير دقات القلب السريعة بأنها متعة وإثارة إذا كنت تشاهد فيلم رعب، أو قلق حاد إذا كنت تلقي خطابا في حفل كبير يحضره الكثير، أو قد تشير ببساطة إلى تناول الفرد الكثير من القهوة، ولكن من الناحية الفسيولوجية، قد لا يكون هناك فارق كبير. وتقول باريت إن الفهم الحقيقي للمشاعر يساعدنا على السيطرة عليها والتحكم فيها بشكل كبير، كما أنه يمكننا من العيش حياة أكثر هدوءا وإنتاجية. وإذا تحدثنا عن مشاعر الحب على وجه الخصوص، فقد تنخدع عندما تشعر ببعض الأعراض الفسيولوجية التي تنتابك عندما ترى شخصا بعينه، كما أنك قد تفسر مشاعر الطرف الآخر بشكل خاطئ لأن المشاعر التي يبدو لك أنك تكشفها لديه بشكل واضح، قد تكون في الحقيقة جزءا مما يجول في رأسك أنت. ويجب أيضا عدم الاعتماد على ما نشعر به فقط، لكن يجب ربطه بسياق الكلام والأحداث لنجعلها ذات معنى حقيقي. هرمون الحب وللمزيد من فهم مشاعر الحب لا بد أن نفهم ما يحدث داخل أجسامنا عند الوقوع في الحب، ويكمن السر في هرمون «أوكسيتوسين»، أحد الهرمونات الرئيسية التي يفرزها المخ من منطقة الهيبوثيلاموس، والمسئول عن الشعور بالطمأنينة والسعادة. ويطلق عليه العلماء اسم هرمون الحب وهو شديد الأهمية لنجاح الزواج، بالإضافة إلى هرمون «دوبامين» الذي يفرز عند الوقوع في الحب، فيعطي الحبيب الإحساس باللهفة والرغبة في تكرار رؤية نصفه الآخر. ويتحكم المخ في إفراز هرمون آخر يعرف باسم هرمون «سيراتونين» المسئول عن الشعور بالسعادة، كما أنه في حالة الحب يعطي المخ إشارات إلى الغدد لإفراز هرموني «إدرينالين» و»نورأدرينالين» عند رؤية الحبيب، وهما المسئولان عن تسارع ضربات القلب، واحمرار الوجه، وتعرق الجسم. ويتحكم المخ أيضا في إفراز هرمون «فاسوبريسين» الذي يعزز الإخلاص بين شركاء الحياة. وفي النهاية يمكن أن نقول إن المخ هو المسئول عن مشاعر الحب بشكل كامل، والذي يرسل الأوامر إلى جميع أعضاء الجسم بما فيها القلب، فالمخ يصدر أوامر إلى غدة الهيبوثيلاموس والغدتين النخامية والصنوبرية ليتحكم بدقة في مشاعر الحب والكره والسعادة والحزن والرضا والغضب والجوع والعطش وغيرها من المشاعر الإنسانية.