د. سمير فرج كأن الأرض والبحر والسماء لم تعد كافية للقتال والحرب، فبدأت القوى الكبرى في استحداث ميادين جديدة للحرب، واختارت، هذه المرة، الفضاء الخارجي، ساحة له، وأعلن الجيش الأمريكي، مؤخرًا، تشكيل قوة جديدة باسم القوات الفضائية الأمريكية، أو US Space Force، لتصبح القوة السادسة في قوام القوات المسلحة الأمريكية بعد القوات البرية Land Forces، والبحرية Navy، والجوية Air Forces، والمارينز Marines، والقوات الخاصة Special Forces. تكونت تلك القوة الجديدة فى عهد الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، وقوامها 16 ألف فرد من ضباط وجنود وعناصر مدنية، وتقرر أن تتبع قيادتها، مؤقتاً، قيادة سلاح الجو الأمريكى. وفى الأسبوع الماضى أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن إدارة الرئيس جو بايدن ستواصل العمل على تكوين القوات الفضائية الأمريكية، كفرع كامل بالجيش الأمريكى، لتضمن الهيمنة الأمريكية، فى الفترة القادمة، على حرب الفضاء، بعدما ضمنت الهيمنة والتفوق فى حرب الأرض. كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قد علق على إنشاء تلك القوة الأمريكية الجديدة، قائلا، إن القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية تعد الفضاء كساحة عسكرية جديدة، وهو ما اعتبره تهديداًللمصالح الروسية، ولأمن بلاده القومى. وهنا يبرز السؤال لماذا الحاجة لإنشاء مثل هذه القوة الجديدة؟ ولماذا اللجوء للفضاء الخارجي؟ ويرجع الموضوع إلى أن المفكر العسكرى راقب الاتجاه إلى استخدام الفضاء الخارجى لأغراض عسكرية جديدة، غير مسيطر عليها، بداية من الأقمار الصناعية، التى انطلقت فى الفضاء الخارجى تجمع المعلومات بدقة متناهية، على عكس ما كان يتبع فى الماضى القريب، عندما كان الحصول على معلومة، ولتكن عن مطار أو إحدى القواعد العسكرية المعادية، يتطلب إرسال طائرة استطلاع للرؤية بالنظر، أو للتصوير، ثم تعود الطائرة إلى القاعدة ليبدأ تحميض الصور وقراءتها. وتطورت العمليات فأصبحت الطائرة ترسل الصورة مباشرة فى أثناء العملية الاستطلاعية. وفضلا عن طول مدة الإجراءات، وما يرتبط بها من تكاليف، كانت المعضلة الأكبر تكمن فى المخاطرة بالأرواح والمعدات العسكرية حال التقاط الطائرات فى المجالات الجوية لدول أخرى، وما يستتبعه من إسقاطها، فورا، وهو ما تغلبت عليه تكنولوجيا الأقمار الصناعية التى تسبح فى الفضاء الخارجى، تصور وتلتقط كل المعلومات حتى عن القوات الأرضية من الدبابات والصواريخ والقوات البرية، وترسل المعلومات مباشرة للقيادة دون أى خسائر ممكنة، ومشكلات دولية باختراق المجال الجوى للدول الأخرى. كذلك ظهرت مهمة أخرى للأقمار الصناعية، تمثلت فى توفير اتصالات من الصعب اختراقها والتشويش عليها. ظهرت، بعد ذلك، المصيبة الكبرى، المعروفة بالصواريخ الباليستية، التى تخرج من المجال الجوى، وتسبح فى الفضاء الخارجى، ولا يمكن اعتراضها، إلا عند النزول مرة أخرى من الفضاء إلى المجال الجوى، وهى فترة زمنية بسيطة، قد لا تتيح القدرة على تدميرها، فبدأ التفكير فى تدمير تلك الصواريخ الباليستية فى أثناء وجودها فى الفضاء الخارجى. ومن هنا ظهرت فكرة وجود أسلحة تعمل فى الفضاء الخارجى ضد الأقمار الصناعية التى تعمل فى جمع المعلومات، والأقمار الصناعية العاملة فى مجال الاتصالات، وكذلك أسلحة للتعامل مع الصواريخ الباليستية خلال سيرها فى الفضاء وتدميرها قبل الوصول لأهدافها على الأرض. ثم ظهرت فكرة استخدام الفضاء الخارجى فى أعمال الشوشرة والتشويش على الاتصالات والإشعاعات الرادارية من مناطق لا يمكن تتبعها لأنها خارج المجال الجوى فى الفضاء، ليصبح الفضاء الخارجى، فى الفترة القادمة، ساحة حرب مفتوحة، وهو ما دفع الولاياتالمتحدة لتكوين هذه القوة الجديدة للتعامل مع كل هذه العدائيات فى الفضاء الخارجى. وفى مجال متصل، فهناك معاهدة تعرف باسم السماوات المفتوحة دخلت حيز التنفيذ فى يناير من عام 2002، ضمت 24 دولة، تتيح لهذه الدول تنفيذ برامج استطلاع جوى لطائرات غير مسلحة على أراضى الدول المشتركة فى المعاهدة بهدف جمع المعلومات عن القوات العسكرية... كل ذلك داخل مجال الغلاف الجوى العادى، ولكن، فجأة، فى عهد ترامب أعلنت الولاياتالمتحدة انسحابها من هذه المعاهدة، فى ظل استعدادها للاعتمادعلى القوات الفضائية الأمريكية، واستغنائها عما تتيحه لها معاهدة السماوات المفتوحة، لتليها روسيا فى إعلان انسحابها من ذات المعاهدة. ورغم أن روسيا لم تعلن حتى الآن إنشاء قوات فضائية روسية مماثلة، فإن إعلان الرئيس بوتين يؤكد أن روسيا ستبدأ أو بدأت بالفعل، كى لا تسبقها الولاياتالمتحدة فى هذا المجال، وهو الأسلوب الذى اتبعته روسيا، من قبل، فى السباق إلى القمر، والسباق فى الصواريخ عابرة القارات الحاملة للرءوس النووية، ولا أتوقع ألاتعلن الصين عن وجودها فى هذا المضمار والصراع العسكرى الفضائى، وهو ما دعا العديد من المفكرين العسكريين، لتأكيد أن عام 2025 سيشهد قوى عسكرية عالمية تعمل فى مسرح العمليات الجديد وهو الفضاء الخارجى للكون. وهنا يظهر التساؤل هل سنرى محطات فى الفضاء تشبه القواعد العسكرية الموجودة على الأرض يوجد داخلها أسلحة للتعامل ضد هذه الأقمار الصناعية سواء لتدميرها أو للتعامل معها إلكترونيا؟ وهل ستدارتلك القواعد الفضائية الجديدة من الأرض؟ أم ستتطلب ضرورة وجود عنصر بشرى فى الفضاء للسيطرة عليها وإدارة عملياتها؟ أما التساؤل الأخطر فهو هل سيتم تقسيم حدود الفضاء بين الدول أيضاً؟ وما هو معيار التقسيم؟ وهل ستصبح الأولوية فى الوجود للقوى العظمى التى اقتحمت هذا الفضاء الخارجي؟ إنها أسئلة حائرة، ظهرت، حاليا، مع ظهور هذا الفكر الجديد على مستوى العالم... ولا نعرف لها إجابات بعد!