قبل ثمانية عقود، استقبلت شاشات العرض أحدث أفلام المبدع تشارلى شابلن، بعنوان «الديكتاتور العظيم»، ساخرا بجرعة مضاعفة من إبداعه المعهود من الزعيم النازى أدولف هتلر. لكن الفيلم الذى صدر عام 1940 وبلغت مدته 120 دقيقة، تم منعه من العرض فى ألمانيا وكل الدول الخاضعة لحكم وتبعية النظام النازى. والأغرب أن شابلن وقتها تلقى تحذيرات من أن الفيلم قد لا يعرض فى بريطانياوالولاياتالمتحدة. ويوضح تقرير للكاتب نيكولاس باربر، ونشره القسم الثقافى بموقع «بى.بى.سى» أنه فى أثناء عملية إعداد « الديكتاتور العظيم»، كانت بريطانيا مازالت تلتزم بسياسة «التسوية»، وذلك حتى مارس 1939، كما لم تنضم الولاياتالمتحدة إلى معارك الحرب العالمية الثانية إلا فى ديسمبر 1941، بعد قصف ميناء بيرل هاربر. وذلك قبل عرض «الديكتاتور العظيم» بعام كامل. ولذا وحسب، باربر، فإن شابلن ورفاقه كانوا يعملون على تنفيذ فيلمهم دون ضمانة أكيدة بأن أيا من دول العالم سوف تقبل بعرضه. حول هذه المرحلة والمخاوف، كتب شابلن فى مذكراته موضحا: « بدأت أتلقى رسائل مقلقة من الفنانين المتحدين( الشركة التى شارك بتأسيسها)، فقد نما إلى علمهم أننى قد أقع فى متاعب رقابية . كما أن مكتب بريطانيا أبدى قلقا من فيلم معاد لهتلر، وتصاعدت الشكوك من إمكانية عرضه هناك، كما وردت رسائل أكثر إثارة للقلق من مكتب نيويورك الذى نصح بوقف الفيلم، محذرا من أنه قد لا يعرض فى بريطانيا أو أمريكا». ولكن حسب باربر فى تقريره، فإن شابلن لم يتراجع إذ حكم بضرورة إتمام فيلمه، وأنه سيحقق نجاحا كبيرا فى شباك التذاكر، وهو بالفعل ماحدث إذ كان ثانى أفلام 1941 تحقيقا للمكاسب. ويرى النقاد والخبراء بعد مرور 80 عاما على طرح التجربة الفنية المتفردة لشابلن أن «الديكتاتور العظيم» لم ينجح كعادته فى تقديم عمل درامى وكوميدى رائد فحسب، بل نجح أيضا فى دخول عقل هتلر، وكشف أسرار تركيبته النفسية. بإصرار شابلن على تنفيذ «الديكتاتور العظيم»، ينقل التقرير عن الخبير السينمائى اليونانى، كوستا كفراس وصفه شابلن بأنه «صاحب رؤية كان يرى المستقبل، الذى لم يتح لقادة العالم وقتها رؤيته، حتى إنهم بشكل أو بآخر اتخذوا وقتها صف هتلر». وحسب سيمون لوفيش، صاحب كتاب « شابلن: ملحمة المتشرد»، فإن النجم البريطانى المولد لم يصور هتلر فحسب، بل قدم وصفا دقيقا وإدانة ساخرة من أمثال هتلر على مر العصور. وأشار لوفيش إلى ما كان من عداء الإعلام الألمانى لشابلن وقتها، مؤكدا أنه « كان رجلا فى مهمة»، ففى وقت كان معاصروه السينمائيون من أمثال لوريل وهاردى يعملون على أفلام كوميدية خالصة ويسعون وراء الربح الأكيد، كان شابلن أكثر جدية فى اختياراته وأهدافه. ويضيف لوفيش : «لم يكن الديكتاتور العظيم فيلما ولكن إنجازا يجب أن يتم». ويشير التقرير إلى أن شابلن رأى أيضا أن هناك رابطا قويا بينه وبين الزعيم النازى، فقد ولد هتلر فى ذات الأسبوع الذى شهد مولد شابلن فى أبريل 1889. وقد أصدر الكوميدى والمغنى تومى هاندلى أغنية تكشف الرابط ذاته وتقول : «من هذا الرجل الذى يشبه تشارلى شابلن؟» وفى إحياء للذكرى الخمسين لميلاد شابلن وهتلر، تناولت مجلة « سبيكتاتور» تلك المفارقة، وذكرت: « انه من المقدر أن يحل تشارلى شابلن وأدولف هتلر على العالم بفارق أربعة أيام بينهما، فتاريخ مولدهما وتطابق الشاربين الصغيرين لكل منهما يعكسان خطة الطبيعة لكشف أصول ذكائهما الذى لا يمكن إنكاره. فكلاهما عكس الواقع ذاته، واقع الرجل الضعيف فى المجتمع العصرى، ولكن أحدهما عكس الجانب الطيب، والأخر كان مثالا للشر». وقد تم استخدام «تيمة» التقارب بين شابلن وهتلر فى بناء الفيلم، وصولا حتى ذروة أحداثه، عندما يتم الدفع بشابلن دفعا لمخاطبة الجماهير على أنه هتلر، ليقدم خطبة تاريخية حول ضرورة تغليب الإنسانية والطيبة على الذكاء والمكسب. وإن كانت خطبة شابلن وفيلمه حازا تقدير وإعجاب دول العالم لاحقا، فإنهما لم يحميا شابلن من اتهامات الميل الشيوعى التى وجهتها السلطات الأمريكية له ودفعت به خارج أمريكا فى الخمسينيات،ليعيش حتى نهاية عمره فى سويسرا. شابلن.. يؤدى دور «هتلر»