فى مثل هذه الأيام من كل عام، اعتادت شوارع مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا الأمريكية أن تضج بتجمعات ساكنيها فى استعراضات ضخمة وأجواء كرنفالية للاحتفال بمهرجان «ماردى جرا»، إلا أن تفشى الوباء، الذى أعاق إقامة كثير من المهرجانات والكرنفالات المعتادة حول العالم، لايزال مستمرا فى فرض أوامره باتباع التباعد الاجتماعى والالتزام بالإجراءات الاحترازية. لذا قرر عمدة المدينة إلغاء جميع التجمعات والمسيرات الاحتفالية هذا العام, ولكن أبناء المدينة لم يستسلموا وحاولوا البحث عن بدائل، وطرحت إحدى المواطنات، وتدعى ميجان جوى بودرو، فكرة مبتكرة عبر حسابها على «الفيسبوك»، دعت خلالها السكان إلى تزيين واجهات وحدائق منازلهم، ولم تتوقع بودرو ذلك القدر من التفاعل إذ وصل عدد المشاركين خلال فترة وجيزة إلى 9 آلاف شخص لتتحول الفكرة البسيطة إلى حملة «ماردى جرا آمن من الوباء». ثم بدأ العمل باحترافية حيث قام المشاركون بجمع الأموال لتعيين طاقم من الفنانين لتقديم أفكار مميزة وتنفيذها. وكانت النتيجة مبهرة حيث تم تزيين واجهات وحدائق المنازل والشركات بديكورات تحمل أشكالا متعددة ذات ألوان نابضة بالحياة وباعثة على البهجة والفرحة، ليتضاعف جمالها مع تسليط الأضواء عليها ليلا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم عمل خريطة تحتوى على مواقع المنازل المزينة وتفاصيلها ومشاركتها عبر موقع «جوجل خرائط»، وذلك حتى يتمكن السكان من زيارتها وتفقدها فى أوقاتهم المتاحة وبشكل فردى. ويبدأ الاحتفال بمهرجان «ماردى جرا»، مع بداية شهر فبراير من كل عام، لكن الاحتفال الأكبر يكون فى الثلاثاء الأخير قبل الصوم الكبير، والذى يكون عادة قبل عيد الفصح ب 46 يوما، لذا فالاحتفال هذا العام سيكون فى يوم 16 فبراير الحالى. ويطلق على هذا اليوم «الثلاثاء البدين» فى اللغة الفرنسية، إشارة إلى «الأكل بشراهة» فى هذا اليوم الذى يسبق بدء موسم الصوم الكاثوليكى الكبير.. وتعود أصول المهرجان إلى أوروبا فى العصور الوسطى، حيث وصل إلى أمريكا الشمالية كتقليد كاثوليكى فرنسى فى نهاية القرن السابع عشر عندما كانت فرنسا تحتل الولايات الجنوبية، ومنها لويزيانا، لكن لم يتم الاحتفال به بشكل سنوى فى نيو أورلينز حتى الثلاثينيات من القرن التاسع عشر. وفى عام 1875، وقع حاكم البلدة على «قانون ماردى جرا»، الذى يجعل هذا «الثلاثاء» عطلة رسمية للمدارس والشركات حتى يتمكن الناس من الاستمتاع بالاحتفالات. ومن بين أبرز الطقوس الاحتفالية، التى كان يشهدها المهرجان، ارتداء الأزياء الغريبة والأقنعة، التى تمتزج بها 3 ألوان أساسية، هى الذهبى والأرجوانى والأخضر، بالإضافة لعزف الموسيقى الصاخبة والرقص وإقامة المسابقات الرياضية والمسيرات الاستعراضية الضخمة. وتعد المشاركة بالأطعمة أمرا أساسيا به، و تتكون فى الغالب من الفطائر والخبز المقلى والمعجنات. وعادة ما يجذب المهرجان قرابة المليون زائر سنويا.