تكتب مريم العذراء، البتول، الحكيمة، المباركة في السماء، أطهر نساء الأرض، الحنون والصابرة والعابدة، الشاكرة، السحابة المنيرة، القديسة والصامتة، الحمامة الحسنة وأم النور، ماري. كلها أسماء وألقاب للسيدة مريم أم المسيح تظهر الإجلال والمحبة لها، ليس فقط في الديانة المسيحية ولكن أيضا في الإسلام، ولطالما كانت لستنا مريم مكانة خاصة في قلبي منذ الطفولة، لي معها قصة قديمة تعود إلى سنواتي الأربع، فقد اصطحبتني جدتي معها لصائغها في وسط البلد بالإسكندرية، وكان أرمينيًا يرحب بها؛ لأنها زبونة ويجلسني بجانبها على كرسي صغير، ولحبها الشديد لي طلبت مني أن أختار هدية من الفاترينة المكتظة بالدلايات والخواتم والغوايش. وأتذكر أنني تفقدت كل القطع الذهبية وأشرت بأناملي الصغيرة إلى دلاية تحمل صورة امرأة جميلة تحمل قسماتها كل الطيبة والخير الذي تخيلته في الدنيا، ولم أكن أعرف من هي، اتسعت عينا جدتي من الدهشة وكذلك الصائغ خريستو لأنني مسلمة وطفلة، ولكنني بكيت وأصررت على أن أحملها معي في سلسلة استقرت حول عنقي ولم تناقشني جدتي كثيرًا، وظللت أحتفظ بقلادة السيدة العذراء والتي عرفت قصتها وتأثرت بها كثيرًا. وعلى ما يبدو أن جدتي شعرت بغرابة ما فعلت فأخذتني عدة مرات إلى كنيسة مار جرجس للزيارة وإضاءة الشموع تبركًا، وذلك بعد أن نصحتها صديقة مسيحية لها بأن تفعل ذلك لأنهم ظنوا أنني طفلة غير طبيعية، ورجعت من تلك الزيارة ومعي أسئلة لا حصر لها عن الخضر، مار جرجس، وستنا مريم وكل شيء، وجدتي تجيب وتحكي وتفسر وتثري خيالي الذي نسج قصصًا عنهم. وعندما انفصل والدي ووالدتي جاءت جدتي لتعيش معنا ونظرت إليَّ بحزن، وسألتني ماذا أحب أو أريد لتواسيني عما أمر به من أزمة وفقدان لأمي؟ فقلت لها دون تردد شجرة الكريسماس وكنا في شهر أغسطس ولا يوجد شجر ولا زينة، ورغم ذلك اصطحبني جدي الطيب الحنون ونزلنا، شارع شريف نبحث عن الزينة والشجرة وعدنا لنزين الشجرة. وجلست تحتها منبهرة ونمت بجانبها حتى الصباح، ومن يومها وجدت في شجرة الكريسماس المواساة والفرحة وفي أم النور راحة ومحبة كبيرة كلما طالعت صورها أو سمعت أنها ظهرت في مكان ما أتابع وأبحث عن هالتها النورانية في الصور، وليس ذلك مستغربا فهي أطهر نساء الأرض كما وصفها القرآن الكريم في سورة آل عمران ولها مكانة خاصة في الإسلام. تقول الآية الكريمة « يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ». وأيضا كرمها القرآن الكريم بتخصيص سورة تحمل اسمها وهي سورة «مريم» والتي تدور حول حياتها ويرتبط اسمها ارتباطًا وثيقًا في أذهان المسلمين باسم السيد المسيح عيسي بن مريم، الذي جعله الله آية للناس، ونجد الكثير من الآيات والأحاديث التي تتناول فضل السيدة مريم وبعض تفاصيل حياتها، فعلي سبيل المثال، قال الله تعالي في القرآن الكريم: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍۢ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا» سورة أل عمران. وَقال تعالى في كتابه العزيز: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ». ودافع القرآن الكريم عن السيدة مريم فنزل قول الله تعالى: « وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا».(النساء 156:4). وقوله تعالى: « وَمَرْيَمَ 0بْنَتَ عِمْرَٰنَ 0لَّتِىٓ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتْ مِنَ 0لْقَٰنِتِينَ» وقوله تعالى: « وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ» في سورة الأنبياء، كما يؤكد القرآن الكريم بر السيد المسيح بأمه السيدة مريم عليها السلام، وإلى جانب إعاذتها من الشيطان الرجيم وحسن نشأتها ورزقها بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف وجعلها وابنها آية للعالمين، يعدّد الإسلام فضائل السيدة مريم وكراماتها ومنها تطهيرها واصطفاؤها على نساء العالمين، يقول الله تعالى: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ على نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» وستظل السيدة مريم مصدر البركة في قلوب المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وبمناسبة أعياد 7 يناير نناديها «امنحينا شيء لله يا أم النور».