طالع قراء صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرا مميزا حول رياضة التجديف على صفحة نهر النيل، والرابط ما بين الإقبال عليها مؤخرا بسبب « كورونا»٫ وجذور «التجديف» الضاربة بقوة فى عمق التاريخ والثقافة المصرية. التقرير الذى كتبته فيفيان ياى، تحت عنوان «التجديف فى النيل: فرصة للهدوء فى عاصمة مزدحمة»، يستعرض الزيادة الأخيرة فى أعداد المدارس المتخصصة فى التدريب على رياضة التجديف. وذلك سعيا وراء أنشطة تراعى فكرة التباعد وسط أجواء الهواء النقي. ولكن الأهم فى التقرير، أنه يسارع بمغادرة الحاضر إلى الماضى، متنقلا ما بين أهم المحطات فى تاريخ رياضة التجديف النيلية. فيشير إلي محورية «التجديف» بالنسبة لحياة المصرى القديم، الذى أتقن مهاراته من أجل تسيير مختلف أوجه حياته. ومثل «التجديف» أيضا طقسا ثابتا فى عدد من المهرجانات الدينية والشعبية. ويشير التقرير تحديدا إلى ما تذكره النقوش المصرية القديمة حول تفوق الفرعون أمنحتب الثانى (حكم بين عامى 1426 و1400 قبل الميلاد) فى ممارسة التجديف. فحسب النقوش الواردة باللوحة الحجرية التذكارية الخاصة به، فإن الفرعون جدف بنفسه لمسافة ثلاثة أميال دون انقطاع. وفى المقابل، ووفقا إلى اللوحة أيضا، فإن القائمين على التجديف فى ركبه وعددهم 200 رجل كانوا من أصحاب «النفس القصير والبنية الضعيفة». وذلك لبيان عظيم قدره وقدرته مقابل رجاله، والمقياس التجديف. ومن زمن أمنحتب الثانى، ينتقل التقرير إلى بدايات القرن التاسع عشر، مستعرضا عهد هيمنة الجاليات الأجنبية فى مصر، وتشييدهم أول ناد حديث لممارسة رياضة التجديف. ولكن التجديف وقتها ظل حبيسا بين الجاليات الأجنبية والنخبة المصرية، وكانت السباقات الخاصة به تدار باللغة الفرنسية أساسا. وعن أول سنوات الجمهورية المصرية وما بعد ثورة يوليو 1952، يشير التقرير إلى ما كان من شيوع تشكيل النقابات المهنية والعمالية، وما تبع ذلك من حصول بعض هذه النقابات على مواقع تطل على النيل لاستغلالها كنواد رياضية واجتماعية للعاملين وأسرهم. وباتت هذه النوادى من أهم مواقع تعرف أبناء الطبقة المتوسطة، وما دونها فى مصر، برياضة التجديف. وتأتى المرحلة التالية فى ديسمبر 1970، عندما سعت الحكومة المصرية إلى استعادة ثقة السائح الأجنبى فى استقرار الأوضاع أمنيا وخدميا، وذلك فى أعقاب حرب النكسة والعدوان الإسرائيلى فى 1967، فكانت الدعوة إلى «مهرجان النيل الدولى للتجديف» الذى استهدف الفرق الجامعية حول العالم. ووفقا إلى معلومات إضافية من موقع مخصص لتوثيق تاريخ التجديف دوليا، والذى أوردت «نيويورك تايمز» رابطا له، جرت الجولة الأولى للمهرجان في الأقصر، وكان الفوز فيها من نصيب فريق جامعة كامبريدج، يليها فريق جامعة أوكسفورد، وذلك وسط اصطفاف أكثر من 10 آلاف شخص على ضفاف النهر الأسطورى. وشارك فى الجولات الأولى الفرق الممثلة لقطاع الشرطة والجامعات المصرية. ووقتها تم تكليف مصور الرياضة الشهير جيرى كرانهام بتغطية الحدث، ليقدم للعالم 50 صورة تاريخية توثق هذا الحدث، الذى بات من يومها طقسا سنويا يجذب أنظار العالم إلى مصر ونيلها. وفى العام التالى، شهد المهرجان مشاركة فرق جامعتى يال وهارفارد، وفى السنوات التالية بدأت المشاركات تتنوع من شتى أنحاء العالم. وفى وصف دورة 1974، كتبت «نيويورك تايمز» وقتها: « بات المهرجان المصرى حدثا رياضيا بارزا». وأوضحت كيف ساعد فى دعم المشاركة الرياضية المصرية على الساحة العالمية، وروج فى الوقت نفسه لزيارة معالم مصر الساحرة. وبعد أن تم تعليق المهرجان خلال عام نصر أكتوبر فى 1973، وفى عام 1979، حازت مصر جائزة أفضل فريق بأكبر عدد نقاط.