يعانى البعض من قسوة برودته، ويتغنى البعض الآخر بأجوائه الساحرة، ولكن الأكيد أن فصل الشتاء بسمائه المكتظة بالسحب وزخات المطر، يعتبر ملهما لكثير من الشعراء والأدباء. فطالما طالع القارئ روايات وقصائد شعرية، كتب لها الحياة فى فصل الشتاء. فنال فصل الصقيع، وعن استحقاق، لقب فصل ميلاد الأعمال المتميزة أدبيا وإبداعيا. كان الشتاء فصلا مهيب الحضور فى قصائد الكثيرين ، وأبرزهم الشاعر امرؤ القيس، الذى وصف الشتاء فى معلقته الشهيرة، قائلا: أصَاحِ تَرَى بَرْقا أُرِيْكَ وَمِيْضَهُ كَلَمْعِ اليَدَيْنِ فِى حَبِيٍّ مُكَلَّلِ يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيْحُ رَاهِبٍ أَمَالَ السَّلِيْطَ بِالذُّبَالِ المُفَتَّلِ وبالاطلاع على أعمال الشاعر السورى المعاصر نزار قبانى، تحضر العناصر المرتبطة بالشتاء ما بين «المطر»، و«الأوراق المتساقطة»، و«المدفأة»، وذلك كما فى قصيدته «حقائب الدموع والبكاء»، والتى يفتتحها بالبيت القائل : إذا أتى الشتاء.. وحركت رياحه ستائرى أحس يا صديقتى بحاجة إلى البكاء وعن قصائد الشاعر السورى محمد الماغوط، فهى تفوح برائحة الشتاء، فلديه العديد من القصائد التى تحمل معانى عن فصل الشتاء، ومن بينها: «الشتاء الضائع». ويقول فى مطلعها: بيتنا الذى كان يقطنُ على صفحةِ النهر ومن سقفه الأصيل والزنبقُ الأحمر هجرتُه يا ليلي وتركتُ طفولتى القصيرة تذبلُ فى الطرقات الخاوية كسحابةٍ من الوردِ والغبار غدا يتساقط الشتاء فى قلبى وعن أشعار صلاح عبد الصبور، أحد أبرز رواد الشعر الحديث، فقد عكست آثار الشتاء كما فى قصيدة «أغنية الشتاء»، التى يقول فيها: نبئنى شتاء هذا العام أننى أموت وحدى ذاتَ شتاء مثله ذات شتاء وقد ترك الشتاء بصمة واضحة فى حياة الشاعر الفلسطينى محمود درويش، وله قصيدة « كنت أحب الشتاء» ويقول فيها: كُنْتُ فيما مضى أَنحنى للشتاء احتراما، وأصغى إلى جسدى. مَطَرٌ مطر كرسالة حب تسيلُ إباحيَّةٌ من مُجُون السماء. وبعيدا عن الشعر، ولكن ليس بعيدا تماما، هناك أثر الشتاء على الرواية. فالكاتب الكبير نجيب محفوظ يلجأ فى أغلب الحوارات الدائرة على لسان شخصيات أعماله إلى ذكر الشتاء فى صور جمالية مختلفة. فمن وجهة نظره، أن الأدباء يهربون إلى إبداعهم من البرد، أما فصل الصيف فهو شهر العطلة والاستعداد للإبداع الشتوى. ويتضح ذلك من خلال رواياته التى تهيمن عليها أجواء الشتاء، مثل: «الحرافيش»، و«السمان والخريف». ومن أشهر ما قاله محفوظ فى التعبير عن حب الشتاء: «الخريف والشتاء فصلا التألق فى حياتى، أحب الخريف والشتاء فأشعر فيهما بوجد الكتابة، وأحب الكثير من الشعر العربى الذى يتحدث عن المطر والشتاء». أما الأديب يوسف القعيد، فيرى الشتاء محفزا للكتابة وانطلاق الخيال، وله قصة قصيرة بعنوان: «الشتاء يأتى إلى الضهرية»، علما أن «الضهرية» هى المكان الذى نشأ فيه القعيد. والكاتب الروائى أشرف العشماوى، فينتخب الشتاء كوقته المثالى للكتابة، قائلا: «إن الإبداع يتوهج فى الشتاء، ويدعو للنشاط عكس الصيف وما به من كسل» .