أفسد الجرى وراء المال حياة كثير من المصريين، لم نكن كشعب نلهث وراء المال بهذه الصورة المرضية، والشيء الغريب أن الجميع يجرى الغنى والفقير والعاجز والقادر، وإذا كنت أجد مبررًا للفقير الذى يبحث عن قليل من المال يستره، فلا أجد هذا المبرر لأصحاب الملايين حين يتسولون هنا وهناك، وأسوا الأشياء أن يتسول القادر وأجمل الأشياء أن يترفع المحتاج.. وكانت لدينا فى يوم من الأيام نماذج رفيعة فى الزهد والقناعة وكنت ترى من تبرع بماله لإسعاد الفقراء، وكان أغنياء مصر فى الأرياف يوزعون الطعام الذى يأكلون منه.. وقد شاهدت بيوتا يجلس فيها الفقراء على الطعام بجانب أصحاب البيت، ومنذ حلت علينا لعنة الجرى وراء المال ساءت أحوال الناس وزادت حدة الجشع وارتفعت درجة الأنانية، ولا شك أن حياة الناس كانت أفضل مع شيء نسميه القناعة والرضا ونبل الأخلاق.. لقد اختلت موازين الأشياء منذ نظر كل واحد منا إلى ما فى يد الآخر وأصبحنا لا نفرق بين ما هو حلال وما هو حرام، أو بين ما يأتى بكرامة وما يجيء بالتسول وما أثقل هذه الكلمة على النفس.. التسول خاصة إذا رأيته فى وجوه حصلت على كل شيء ولم تترك للآخرين أى شيء، لقد خسر المصريون أشياء كثيرة أمام أنفسهم وأمام الناس، كان الفن رسالة وأصبح تجارة، وكان الفكر مواقف وأصبح صفقات، و كانت للحلال متعة و أصبح للحرام سطوة وكان الإنسان ينام راضيًا وأصبح خائفًا تطارده الأشباح من كل جانب، لا أحد ينكر أهمية المال فى الحياة فقد سبق الأبناء فى القرآن الكريم المال والبنون زينة الحياة الدنيا ولكن عن أى مال نتحدث إنه ليس صفقات مشبوهة أو مالا حراما أو أشياء تهين الكرامة. المال شيء جميل يسعدنا ويمتعنا فى الحياة، ولكن أى مال نريد وكيف نحصل عليه.. فى زمن ما كنا نعرف شيئا يسمى القناعة وما أكثر الذين ماتوا فقراء ولم يعرفوا شيئا يسمى التسول ترفعوا عن الحرام وزهدوا فيه ولم يتركوا لأبنائهم خطيئة كبرى تسمى، الحرام كانت الحياة أكثر رحمة وقناعة وترفعا حين رخص الإنسان رخصت كل الأشياء. * نقلًا عن صحيفة الأهرام