انطلاق ماراثون امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني بجامعة المنيا    أكاديمية الشرطة تنظيم ورشة عمل عن كيفية مواجهة مخططات إسقاط الدول    تنفيذ 4 دورات تدريبية يستفيد منها 122 موظفًا بالمحليات في سقارة    الذهب يتكبد أكبر خسائر أسبوعية منذ ديسمبر.. والأوقية تفقد 81 دولارا    وزيرة الهجرة: نتابع موقف المصريين في حادث غرق مركب باليونان    أبرزها «منتدى لندن».. حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي في أسبوع    وزير الاتصالات: إنشاء 450 برجًا محمولًا لتطوير الشبكات في الإسماعيلية    «البرلمان العربي»: مصر حريصة على دعم دول الجوار والحفاظ على أمنهم القومي    كارثة إنسانية.. مخاوف من توقف محطة تحلية المياه عن العمل في غزة    طائرات هليكوبتر و600 رجل شرطة .. للقبض على المطلوب رقم واحد فى فرنسا    باحث استراتيجي: حكم محكمة العدل الدولية دليل إدانة لجرائم إسرائيل    السيتي يكتسح.. القيمة التسويقية لقطبي مانشستر قبل نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي    عليكم الاعتذار له| شريف إكرامي يهاجم رابطة النقاد بسبب محمد الشناوي    متهم بقتل سيدة بعلبة عصير.. إحالة أوراق سائق للمفتي بشبرا الخيمة    حملات مكثفة على المخابز السياحية.. ضبط 11 طن دقيق مدعم    التحفظ على 14 طن أقطان رديئة داخل محلجين بالقليوبية    إصابة 25 شخصا في انقلاب سيارة ربع نقل في بني سويف    تأجيل محاكمة المتهم بتزوير محررات رسمية بقصر النيل    بعد فوزه بجائزة من "كان السينمائي".. مخرج "رفعت عيني للسما": "أتمنى الناس تشوفه في السينما والتليفزيون"    زاهي حواس يفوز بجائزة رجل العام من اتحاد الكتاب الصحفيين الإسبان    أحمد العوضي يتصدر ترند «إكس» ويحسم موقفه من ياسمين عبدالعزيز .. ماذا قال؟    محمد الصاوي يروي تفاصيل آخر 30 دقيقة في حياة علاء ولي الدين    "عقبال ويزو".. كيف علق الجمهور على شكل شيماء سيف بعد فقدها 50 كيلو من وزنها؟    جامعة عين شمس تبحث مع وفد «قوانغدونغ للدراسات» الصينية التعاون الأكاديمي والبحثي    وزير الخارجية يجري زيارة إلى بيت مصر بالمدينة الجامعية في باريس    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. وأمين الفتوى ينصح    قافلة طبية لذوي الاحتياجات الخاصة بشمال سيناء    "صحة النواب" تتفقد المنشآت الصحية بجنوب سيناء    داعية: الصلاة النارية تزيد البركة والرزق    هل من حق الشاب منع خطيبته من الذهاب للكوافير يوم الزفاف؟ أمين الفتوى يرد    «أكاديمية الشرطة» تنظم ورشة تدريبية عن «الدور الحكومي في مواجهة مخططات إسقاط الدولة»    حبس سفاح التجمع لاتهامه بقتل 3 سيدات ورمي جثثهم على الطريق الصحراوي    لأول مرة.. وزير المالية: إطلاق مشروع تطوير وميكنة منظومة الضرائب العقارية    منافسة قوية بين الأهلي والترجي لتعزيز رقم تاريخي.. «غير اللقب»    المفتي: لا يجب إثارة البلبلة في أمورٍ دينيةٍ ثبتت صحتها بالقرآن والسنة والإجماع    وزير الري: مشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط يخدم الدول الإفريقية    الصحة: إصدار 290 ألف قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة تجاوزت 1.7 مليار جنيه    إنبي يكشف حقيقة انتقال أمين أوفا للزمالك    وفد لجنة الإدارة المحلية بالنواب يتوجه فى زيارة ميدانية لمحافظة البحر الأحمر    وزير الدفاع الأمريكي يستأنف عمله بعد خضوعه لإجراء طبي    "المقاومة الإسلامية بالعراق" تعلن قصف "هدف حيوي" بإيلات    "كولر بيحب الجمهور".. مدرب المنتخب السابق يكشف أسلوب لعب الترجي أمام الأهلي    برنامج تدريبى حول إدارة تكنولوجيا المعلومات بمستشفى المقطم    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 25 مايو 2024    حبس سائق دهس شخصين في النزهة    صباحك أوروبي.. عهد جديد لصلاح.. صفقات "فليك" لبرشلونة.. وغموض موقف مبابي    الصين تعلن انتهاء مناوراتها العسكرية حول تايوان    نصائح الدكتور شريف مختار للوقاية من أمراض القلب في مصر    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    عاجل | حقيقة صدور قرار بشأن وقف الافراج عن السيارات الواردة للاستعمال الشخصي    ليست الفضيحة الأولى.. «الشاباك» الإسرائيلي أخطأ مرتين في نشر صورة إعلامي مصري    عيد الأضحى 2024 الأحد أم الاثنين؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    إطلاق مئات الآلاف من البعوض المعدل وراثيا في الهواء    حظك اليوم| برج القوس 25 مايو.. تأثير في الحياة العاطفية والاجتماعية    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني بالاسم والرقم القومي    المدارس المصرية اليابانية تعلن بدء التواصل مع أولياء الأمور لتحديد موعد المقابلات الشخصية    مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة، أبرزها مواجهة الأهلي والترجي في النهائي الإفريقي    عمرو أديب عن نهائي دوري أبطال إفريقيا: عاوزين الأهلي يكمل دستة الجاتوه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يكتفي ؟
نشر في شباب مصر يوم 05 - 10 - 2017


الشاعر
عند سياج يحيط مزرعته المدهشة علق أحدهم لافتة تقول: "هذه الأرض وما حوت هدية لمن اكتفى بما لديه ورضي بما قسم الله له." وعند اللافتة توقفت سيارة فارهة، ونزل رجل أعمال تفوح من ثيابه رائحة عطر باريسي. وبعد نصف ساعة من الهرولة حول سياج المزرعة، قال الرجل في نفسه: "هذه الأرض لي، فقد وهبني الرزاق من النعم ما لا يحصى، وآتاني من فضله العظيم. عوفيت من الأمراض والأسقام، ورزقت زوجة طيبة وأبناء صالحين. فهل على الأرض من هو أحق بالرضا والقناعة مني؟"
تقدم الرجل بخطى ثابتة نحو باب خشبي يتصدر المشهد، وطرق طرقتين. لم تمر ثوان معدودات حتى صر الباب وخرج من فتحته الضيقة وجه معروق. نظر الفلاح في وجه ضيفه المنتظر، ونظر في عينيه مليا قبل أن يسأله: "ألك حاجة؟" في اعتداد قال الرجل: "لا حاجة لي بمخلوق، فقد اكتفيت بالله ورضيت." ثم ابتلع ريقه قبل أن يكمل: "أنت صاحب هذه الحديقة إذن؟" فرد الرجل بعد أن خرج إلى العراء في ثياب بالية: "كانت لي قبل أن أقرر التخلي عنها لمن رضي بما قسم الله له. أنا اليوم مجرد حارس ينتظر."
نفض الرجل غبارا تجمع فوق كتفيه وفي زهو قال: "أعتقد أنك قد وجدت ضالتك أيها الرجل الطيب، فقد أوتيت من الخير ما تنوء بمفاتحه العصبة أولو القوة. وطويت الأرض شرقا وغربا، سماء وأرضا. لم أترك متعة إلا وجربتها، ولا تاقت نفسي لشيء حتى نهلت منه وارتويت. ولو خرجت من الدنيا الآن، لخرجت راضيا مرضيا. لا أجد في نفسي حاجة ولا مطلب لي عند أحد، ولا أريد من هذه الدنيا شيئا أبدا. أشعر بالرضا يملأ جنبات روحي، وأتمنى أن أكون قد وفيت شكر ما أوتيت من نعم." فضحك العجوز حتى برزت عظام حنجرته كلها، وقال في صوت متحشرج: "لم تكتف من الدنيا أيها الأنيق. ولو اكتفيت، لزهدت في مزرعة زهد فيها من هو أقل منك رزقا وسعة."
لا يكتفي المرء من الدنيا أبدا مهما أوتي من خير. والأغنياء هم أشد الناس حرصا عليها، لهذا تراهم لا يتورعون عن الوقوف أمام الأخشاب المتهالكة ليطرقوا أبواب الفقراء الذين لا يجدون ما يستر عوراتهم أو يسد جوعتهم. فلا يكتفي الثري بتسع وتسعين نعجة، وتراه دوما ينظر إلى ما وراء الأسيجة ليتلصص على الألف الذي يكتمل مليونه الألف.
لم ينظر الغني إلى أسمال الفقير ولم يشعر بفاقته وهو يخرج إليه من شق الباب عاريا أو يكاد. ولم يسأل نفسه عن سر زهد فقير فيما آتاه الله حلالا طيبا. بل ويجد لنفسه آلاف المبررات للسطو على أرض هذا أو اقتناص فرصة هذا في التعيين منتحلا آلاف المبررات التي لم يعد يهز لهاأحد رأسه، وكأن الأرض لم تخلق إلا له ولذويه وأقاربه والمعارف. ويستكثر الغني على الفقير ثلاث وجبات يقيم بها إوده، فتجده يطالب الفقراء بالتخلي عن الوجبة الثالثة لإصلاح الشرخ الاقتصادي الذي صنعه هو وأمثاله. وحين يركب سيارته الفارهة، تراه يلتفت إلى السيارات التي تتجاوزه يمنة ويسره، ويغص بصره تماما عن الباعة الجائلين فوق رصيف الوطن وقد غطت وجوههم الأحزان والأتربة.
لن يجد الزاهد في هذه البلاد من يستحق عطيته، فكل الناس في بلادي لا يرون إلا العمارات الفارهة التي يمتلكها زيد، ولا يجيلون أبصارهم إلا في الأرض الفضاء التي استولى عليها عمرو. وقد أغشت الدنيا أبصارهم وبصائرهم. أما الزهد، فلا تكاد تسمع عنه في بلادنا إلا في روايات السلف التي نمصمص لها الشفاه كلما سمعناها من فوق أخشاب المنابر. وعندما نخرج إلى امتحانات الحياة، نقف بسياراتنا الفارهة أمام أول كوخ لنساوم البسطاء على حظهم القليل في حياة لم يعد أحد فيها يحس بأحد، ولم يعد أحد فيها يرحم أحدا.
عبد الرازق أحمد الشاعر
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.