أكتب عن جائزة نوبل للآداب لهذا العام. ونوبل أهم جوائز العالم. حاول الفرنسيون أن تكون لديهم جائزة الجونكور. وجرى الأمريكان وراء جائزة بوليتزر. ولكن بقيت نوبل هى نوبل التى ينتظرها العالم عند ظهر الخميس الثانى من أكتوبر سنوياً. يُعْلَنْ خبر الفائز من الأكاديمية السويدية ليتوقف العالم والمثقفون والكُتِّاب والأدباء أكثر اهتماماً بما يُعلّن. ويبدأ المستمع فى البحث عن الفائز ومؤلفاته. وحالة من اللهاث اللحظى، ثم يصبح اليومى، ثم الأسبوعى، إلى أن يتقادم الخبر. استخدمت ضمير المذكر فى الكتابة عن الفائزين لأنها جائزة الرجال ولا فخر فصاحبة نوبل لهذا العام لويز غلوك، هى المرأة الفائزة رقم 16، ولكن الرجال الذين حصلوا عليها 101 رجل. فهى جائزة تحمل اسم رجل ويحصل عليها الرجال كقاعدة. والنساء استثناء للقاعدة. لا يعنى ما أكتبه أن فى الأكاديمية السويدية التى تمنح هذه الجوائز موقفاً ضد النساء. ولا أن ألفريد نوبل أوصى ضمن وصاياه غير المدونة أن تكون الجائزة رجالية. هذا لم يحدث. ولن أحاول البحث عن تفسيرات للظاهرة. أتركها لمن يدرسون هذه الأمور التى لا تعد جانبية. وقد تكون لها دلالات. صاحبة نوبل 2020، فى السابعة والسبعين من عمرها. ولدت سنة 1943، وإن كان معظم الذين يحصلون عليها من الشيوخ. فقد سبق أن جاءت إلى الروائى الفرنسى من أصول جزائرية: ألبير كامى، وهو فى الرابعة والخمسين من العمر. لكن عمر الفائزة هذا العام يعنينى. لأنه نفس السن الذى حصل فيها نجيب محفوظ فى المرة الوحيدة التى شرفتنا فيها نوبل وكان فى السابعة والسبعين. ولد فى ديسمبر 1911، وجاءته الجائزة أكتوبر 1988. سؤال محلى: هل كنا نعرفها قبل الجائزة؟! لن أتكلم عن غيرى فهذا ليس من حقى. وعن نفسى لم تقع عيناى على اسمها من قبل. وهذا أمر يحسب للجائزة. لأنها عرَّفتنى على ما لم أكن أعرفه. رغم أن لها اثنى عشر ديواناً شعرياً. قلت لنفسى إن لها دواوين نُشِرت وطبعت فى بلادها أمريكا ولم تصل إلينا. فأين المشكلة إذن؟ هل هى مشكلة الترجمة والاختيار والعلاقات التى تسبق ترجمة هذا النص أو ذاك؟ هل هى ترجمة الذيوع والانتشار الذى يحظى به صاحب النص؟ عموماً الترجمة فعل بشرى قد يصيب وقد يخطئ. والخطأ وارد نتيجة لأى فعل إنسانى. هل وصلت دواوينها الاثنا عشر إلى بلادنا؟ وهل وزعت فى المكتبات التى تبيع الأعمال المنشورة بلغات أجنبية؟ سؤال يلد سؤالاً. لكن صبراً آل ياسر. فإن سيد المعلومات الذى ينهمر علينا فى يوم إعلان الجائزة الخميس الماضى. واليوم التالى له الجمعة يفيد أن لها ديواناً شعرياً مترجماً للعربية ومنشوراً فى بيروت . ولن أكمل وليس فى القاهرة. هذا موضوع لا بد من تأجيله الآن. المهم أن هذا الديوان الذى كان بمثابة مختارات شعرية لها ترجمها سامر أبو هواش. ونشرها تحت عنوان من اختياره. عجلة مشتعلة تمر فوقنا. ورغم أن التقاليد الصحفية التى أراعيها وأحترمها وأنفذها. تمنع نشر اسم الدار التى نشرت هذا الديوان. ولكنى أستميح عذراً هذه المرة بسبب الفرادة والسبق وأقول إن الديوان كان نشراً مشتركاً بين دارى الجمل ودار كلمة فى بيروت . قالت أكاديمية نوبل فى حيثيات حصولها على الجائزة: لإنجازاتها الواضحة فى مجال الشعر. والتى دمجت بروعتها بين الوجود الفردى والعالمية. إنها صاحبة صوت شعرى لا يمكن الخطأ فى أصالته. يتمتع بجمال متقشف ويدور حول الوجود الإنسانى الفردى بصيغة كونية. ورغم قراءة بعض قصائدها التى تُرجمت بسرعة بعد فوزها بنوبل. ونُشِرت نشراً صحفياً. وهنا لا بد أن أقول للمترجمين عن الإنجليزية أن ثمة إهمالاً يوشك أن يكون مُتعمداً لترجمة الشعر. أعرف أن ترجمة الشعر أصعب من الصعوبة. بل إنها توشك أن تكون إعادة خلق للنص الشعرى فى اللغة التى يُترجم إليها. لكن شاعرتنا لم تكن مجهولة فى أمريكا حتى يمكن القول إن نوبل اكتشفتها. فقد سبق أن أُطلِق عليها فى بلادها: أميرة شعراء أمريكا. وهو نفس اللقب الذى أطلقناه على أحمد شوقى ، أمير الشعراء فى لغتنا العربية. أيضاً فإن شاعرة نوبل مُنِحت جائزة البوليتزر الأمريكية الشهيرة عام 1993، عن ديوانها: الزنابق البرية. هذا الفوز يأتى بعد مرحلة من الاضطرابات فى جائزة نوبل . منها فضيحة جائزة 2017، ولا أحب الدخول فى حكاياتها لأنها معروفة من ناحية. ولأنها تقودنا إلى كتابة ما لا يجب كتابته. فقد تداخلت الجائزة مع أمور عائلية وغيرها. أيضاً فأنا أريد أن أتوقف طويلاً أمام تجربة شاعرة نوبل 2020. أيضاً سأمر سريعاً على فضيحة منح الجائزة لبيتر هانديكة، بسبب موقفه من حروب الإبادة التى تمت ضد المسلمين فى البوسنة والهرسك. والأهم والأخطر حضوره جنازة مجرم الحرب سلوبودان ميلوسوفيتش. ولأن الأمور التى لا تراعى الصدق ولا النزاهة لا تُنتج أى عائد. أسأل القارئ هل سمعنا عن هانديكة بعد حصوله على الجائزة؟ وبعد أن أصبح يقال له حاصل على جائزة نوبل ؟ وبعد انضمامه لطابور يمكن أن يقال عنه طابور الخالدين؟. ربما كان هذا الاضطراب فى منح الجائزة أخيرا هو السبب فى التدقيق الشديد فى اختيار فائزة هذا العام. وكلامى ينقصه قراءة شعرها مترجماً فى دواوين شعرية حتى يمكن الحكم على تجربتها الشعرية. يبقى أمر لا بد من قوله. كنت أحلم هذا العام أن تأتى إلينا نوبل. ولو إلى الروائى الصومالى نور الدين فرح، الذى يكتب بالإنجليزية ويعيش فى لندن. وقد تُرجمت بعض رواياته إلى العربية. وأعتقد أن فيها سرداً جميلاً يرقى لمستوى الجائزة. أيضاً كلما جاءت نوبل تذكرت الروائى الألبانى إسماعيل كاداريه، الذى أحب أن أنطقه: قدرى. صاحب التجربة الشعرية فى كتابة النص الروائى الجميل القريب من روحنا وتجربتنا التى نعيشها. حكايات نوبلية بأسبوع نوبل للآداب. نقلا عن صحيفة الأهرام