إذا كانت حرية الرأي وحرية التعبير تحتل مكانة متميزة في أي مجتمع، يستند إلى مرجعية الشرعية الدستورية التي تسمح للشعب بالتعبير عن مطالبه وأحلامه المشروعة سعيًا للوصول إلى حلول عادلة ومقبولة تجمع ما بين وجوبية احترام الحقوق المعيشية للمواطنين وإلزامية الاحترام المطلق للمصالح العليا للدولة، فإن واجب الجميع أن يستوعبوا حجم وطبيعة التحديات التي تفرضها ظروف اللحظة الراهنة؛ لأن معظم تجارب الآخرين القريبة منا والبعيدة عنا تؤكد لكل ذي عينين ولكل ذي عقل وبصيرة أن أكبر خطر يهدد أمن واستقرار الدول هو انفلات ورواج الكلمة غير المسئولة ، التي تسمح باتساع مساحات السلوك الفوضوي بمثل ما عانينا منه بعد أحداث 25 يناير 2011 وما تلاها من سنوات عجاف! إن أهم دروس السنوات العجاف التي ينبغي أن تظل ماثلة أمام أعيننا هو في عدم السماح تحت أي مسمي بإعادة فتح سوق المزايدات الرخيصة للاجتهادات غير المدروسة وغير المسئولة في مناقشة الشأن العام باستسهال الرقص على دفوف المطالب الفئوية والمعيشية ، بعيدًا عن القراءة الصحيحة لما نملكه من موارد وإمكانيات يستسهل البعض المطالبة بالمزيد منها دون أن يكون هناك سقف نهائي لهذه المطالب ودون تحسب لأي عواقب قد تنم عن اتساع حجم الفجوة بين ما ننتجه من موارد وما نملكه من إمكانيات، وبين ما يلح عليه البعض بأنه مطالب واستحقاقات واجبة النفاذ في التو واللحظة. لقد قطعت مصر شوطا طويلا على طريق الإصلاح المالي والاقتصادي، ولكن ذلك ليس نهاية المطاف، حيث مازال أمامنا مشوار طويل لتطوير وتعميق ما أنجزناه بمصداقية الإرادة السياسية الحازمة المستندة إلى قبول شعبي لا يستهان بحجمه باتجاه توفير ضرورات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبما يمنع إعادة عجلة الزمان إلى الوراء وإعادة سنوات الفوضى والعشوائية في صنع القرارات لكسب التأييد الشعبي والمتاجرة باسم البعد الاجتماعي، الذي فقد معناه نتيجة اتساع المسافة بين الوعود المعسولة والإمكانيات المتاحة. إن مصر الآن على مفترق طرق وخيارها الوحيد يتمثل في مدى القدرة على طرح الحلول والبدائل الواقعية لحل المشاكل المزمنة وبالمراعاة الكاملة لظروفنا الاقتصادية والاجتماعية من خلال القراءة الصحيحة لكل أبعاد الصورة على ضوء ما نشهده من متغيرات ومستجدات في الساحتين الدولية والإقليمية والتي لا يمكن تجاهل انعكاساتها على ورقة الحساب الضرورية لصنع التوازن بين الدخل المؤكد والإنفاق الضروري والمستحق فقط! وأقول للحالمين بإعادة استنساخ ما جرى قبل 10 سنوات.. «العبوا غيرها»! خير الكلام: المعرفة توفر الشجاعة والجهل يصنع الخوف! [email protected] * نقلًا عن صحيفة الأهرام